
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية في البداية بالنسبة للدول العربية والإسلامية دولة غير استعمارية، فرؤيتهم لها على خلاف ونقيض رؤيتهم لفرنسا وإيطاليا وهولندا واسبانيا أو أوروبا بصفة عامة التي تعتبر من طرف المسلمين عامة والعرب خاصة، دول تهدف إلى استغلال الشعوب والسطو على ثرواتها، وهو الأمر الذي رآه قادة هذه الدول ونظرت له الحركات المناهضة للاستعمار بأشكالها: القوى الوطنية والحزبية والجماهير عامة، وظلت أمريكا في أعين العالم دولة سلمية مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1914-1918 عندما أعلن الرئيس ولسون حق الشعوب في تقرير مصيرها. وبعد أن حلت واشنطن بطريقة أو بأخرى محل الدول الاستعمارية خاصة فرنسا/إنجلترا بدأت تتبلور فكرة جديدة ناتجة عن الواقع والتدخل الأمريكي في العالم العربي ومنع أي تطور داخلي فيه، والتدخل لتصفية كل حركة قومية /إسلامية وتعيين ومساندة حكام معينين أيضا بطريقة أو بأخرى أوعلى الأقل إبقاء ما كان، واستنزاف الثروات العربية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، واتضح أن الاستعمار المباشر كان أقل عنفا من تواجد واشنطن وقواها وعملائها وجيوشها في المنطقة، والتدخل في كل الأنظمة من شعوبها وقواها الوطنية لمزيد من الاستغلال والنهب والأخطر التدخل في كل شيء حتى أن أي قرار أو تغيير أو تطور يجب أن يكون بموافقة أمريكا، وبالتالي تبين أن مبدأ ويلسون كان الجب الذي سقط فيه الجميع في العالم العربي/الإسلامي، وربط علاقات غير متكافئة مع واشنطن تبين أنها حفلة الذئب ليس إلا.
إن أخطر ماتطورت إليه العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي هو التدخل في شؤونها الخاصة، فقد اعتبرت واشنطن كل تغيير وكل محاولة للنهوض أو الاستيلاء على الحكم في دولة عربية هو خطر عليها، مما أدى إلى حالة متميزة اسمها متلازمة العالم العربي. فالتطور الداخلي تم منعه بتعيين ومساندة أنظمة معينة وتغيير أنظمة معينة، وقتال وسحق الجماعات التي حاولت الاستيلاء على الحكم وبالقوة الضاربة، وهي حالة لم تعرفها بلدان العالم باستثناء أمريكا اللاتينية التي اعتبرتها واشنطن حديقتها الخلفية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وبذلك لم تعد أي دولة مستقلة، فقد انتهت مرحلة الاستقلال -على علاتها- وبدأ العالم العربي منذ احتلال العراق في 2003، فضلا عن ليبيا و سوريا والصومال ولبنان وغيرها في مرحلة استعمارية من نوع خاص، هي أن من لا يملك القوة العسكرية خاصة القنبلة النووية فهو محتل مباشرة، وانتشر الرعب في الأنظمة العربية وانعدام الثقة في الجماهير ووافقت مرغمة أو رضائيا على الصمت والقبول بشراء الاستعمار الأجد لأنها تواجه بعداء الجماهير التي تعيش الفقر والأمية والجهل والتشرذم والجوع وسيطرة الغرب على مقاليد الحياة في هذه البلدان، حتى أن قادة النظام الغربي يتكلمون مع قادة العالم العربي بشكل فظ ، وبعد أن كان الامر في الغرف المغلقة صار علنا: «فأنتم لن تبقوا لولا نحن» هكذا خاطب أحد الرؤساء الأمريكيين ولي عهد بلد عربي كبير بالمال والمساحة والأماكن المقدسة ليس إلا. وبذلك فإن مفهوم الاستقلال الذي هو إخراج الاستعمار بوسيلة أو أخرى وأخذ الأمور بأيدي وطنية لم يعد المفهوم المعاصر للاستقلال، فالقوة العسكرية /السياسية تتدخل دائما لمنع أي قرار مستقل وتغيير أي نظام وتدمير وسحق أي جماعة ما. قد ترغب في الاستيلاء على الحكم بأي شكل، وبذلك فإن نظرية التطور الاجتماعي والسياسي يجب إعادة النظر فيها، فالغرب يمنع أي تطور سياسي أو اجتماعي في العالم الثالث وحتى الرابع، خاصة في العالم العربي والإسلامي، وبالتالي فالاستقلال في الزمن المعاصر هو امتلاك القوة المسلحة بأبعادها النووية والصاروخية وغير ذلك مجرد عبث واستعمار فعلي، فنظرية تطور المجتمعات بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية والصراع تم تدميرها وقولبتها، إذ أن التدخل الأمريكي في الوطن العربي يمنع بالقوة وهو أمر غير مسبوق في التاريخ المعاصر ويلغي أي تطور أو صراع أضداد وتحولت كل الدول العربية إلى دول فاشلة، وهي مرحلة أخرى لم يعرف لها التاريخ مثيلا وزاد من فظاعتها سكون وتواطئ البعض وصعود نخب جديدة إلى السلطة في العالم العربي يهمها البقاء والمال ليس إلا؛
لذلك تتميز المرحلة الراهنة:
- يجب أن لا تملك أي دولة ما تدافع به عن وطنها أو ثرواتها.
- امتلاك أمريكا كل هذه الأسلحة ومن تريد أن يملكها.
- كل محاولة لاكتساب التقدم من طرف الدول العربية تجهض بالسحل والقتل.
- يمكن لأمريكا في كل الوقت وحتى بدون مايسمى مجلس الأمن أن تفرض نفسها دولة استعمارية في أي وقت تشاء.
- تقوم بحل جميع الجيوش وقتل العلماء وتدمير ماتشاء.
- لا إدانة لها في المجتمع الدولي فهي تملك كل الأسلحة النووية والڤيتو.
*باحث