‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

على مسؤوليتي: ما بين صوت الملك وصدى الجيل.. تأملات في زمن التحول المغربي

ـ يكتبها مدير النشر: مصطفى غَلــــمَــان ـ

يأتي الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في لحظة استثنائية من التحول الوطني، حيث يلتقي منسوب القلق الشعبي بمنعطف الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتتعالى في الأفق أسئلة المصير والعدالة والمواطنة. فبينما يتطلع المغرب إلى تسريع مسيرة “المغرب الصاعد”، ينهض جيلٌ جديد من الشباب “جيل Z ” ليطالب بالكرامة والحق في الحلم، لا كامتيازٍ يُمنح، بل كأفقٍ يُنتزع بالوعي والمشاركة.

لقد بدا الخطاب الملكي دعوة إلى تجديد الثقة بين الدولة والمجتمع، عبر ربط التنمية الترابية بالعدالة الاجتماعية، وجعل البرلمانيين والأحزاب والفاعلين في صلب مسؤولية الإصلاح. لم يكن الخطاب مجرد توجيهٍ إداري، بل بيانًا أخلاقيًا في السياسة، يذكّر بأن التنمية ليست أرقامًا أو مشاريع بنية تحتية، بل هي بناء الإنسان في كرامته، وتوزيع عادل لفرص الحياة والمعرفة والعمل.

وفي خلفية الخطاب، يمكن قراءة تحولٍ في فلسفة الدولة: من دولة المبادرة المركزية إلى دولة الإصغاء والمواكبة. فحين يدعو الملك إلى تعبئة الطاقات المحلية وإشراك الجميع في القرار، فإنه يوجّه بوصلة السياسة نحو التشاركية بدل التلقين، نحو العمل الميداني بدل التنظير البيروقراطي. تلك لحظة تذكّرنا بما قاله الفيلسوف هابرماس عن “العقل التواصلي”، حيث تصبح السياسة حوارًا متواصلاً بين الحاكم والمواطن، لا خطابًا من فوق إلى تحت.

لكن، في المقابل، لا يمكن تجاهل أن “جيل Z” المغربي قد رسم معالم أزمة ثقة عميقة. فاحتجاجاته الأخيرة لم تكن مجرد ردّ فعل على أوضاع اجتماعية هشّة، بل صرخة وجودية ضد اغترابٍ طويل في العلاقة مع السلطة والمجتمع. إنّ هؤلاء الشباب لا يرفضون الدولة، بل يطالبون بإعادة تعريفها من جديد: دولة تُصغي لا تُلقّن، تُشارك لا تُوجّه، تُحاسب قبل أن تُحاسِب. لقد حملوا، في شعاراتهم، مطلبًا غير معلن: أن يصبح الإنسان المغربي مركز المعادلة لا هامشها.

وفي هذا السياق، فإنّ الخطاب الملكي يضع الطبقة السياسية أمام امتحان تاريخي: إما أن تتحوّل إلى قوة اقتراحية قادرة على استعادة ثقة الأجيال الجديدة، أو أن تواصل دورانها في حلقة المراوغات الخطابية والتبريرات البالية. فزمن التمويه انتهى، وزمن الصدق والمكاشفة بدأ. وكما قال جان بول سارتر: “الحرية ليست أن تختار فحسب، بل أن تتحمّل نتائج اختيارك”. لقد حان وقت تحمّل المسؤولية، فردياً وجماعياً، في صناعة المغرب الممكن.

إنّ روح الخطاب الملكي، في عمقها، ليست فقط دعوة إلى إنجاز المشاريع المتأخرة، بل إلى إصلاح علاقة الدولة بذاتها وبمواطنيها. فالمغرب الصاعد لا يمكن أن يقوم على بنية تحتية فقط، بل على بنية أخلاقية جديدة تُعيد الاعتبار للمعنى، وتربط التنمية بالعدالة، والتقدم بالروح، والعقل بالإيمان.

إنّ المستقبل المغربي اليوم يتوقّف على جرأة الانتقال من وعود الدولة إلى وعي الأمة، من تدبير الأزمات إلى بناء الأمل، من خطاب السلطة إلى حوار المجتمع. فجيل زد، بهذا المعنى، ليس خصم الدولة، بل ضميرها الجديد. وإذا كان خطاب الملك قد وجّه نداء الإصلاح، فإنّ الجيل المحتج يرفع نداء الحقيقة. وبين النداءين، يُصاغ مصير المغرب القادم: مغربٌ أكثر عدلاً، أكثر وعيًا، وأكثر إنسانية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button