
(كش بريس/التحرير)ـ يشكّل الإعلان الإسباني عن تفكيك منظمتين دوليتين لتهريب المخدرات نموذجًا جديدًا للتعاون الأمني المتقدّم بين الرباط ومدريد، ويؤكد مرة أخرى أن التحالف الاستخباراتي بين الجانبين بات أحد أعمدة الأمن في غرب المتوسّط.
ففي عملية نوعية نُفذت بدقّة عالية بين مدينتي قادس وغرناطة، وبإشراف مباشر من النيابة العامة لمكافحة المخدرات في الجزيرة الخضراء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة، تم تفكيك شبكتين كانتا تستعدان لتهريب أكثر من 20 طنًا من الحشيش إلى أوروبا، باستخدام شاحنات مبردة محمّلة بالفلفل الأخضر كغطاء تمويهي محكم.
أبرز ما يلفت في هذه العملية هو الدور المحوري الذي لعبته المعلومات الدقيقة التي وفرتها الأجهزة الأمنية المغربية، والتي مكّنت نظيرتها الإسبانية من تتبع مسار الشاحنات المشبوهة انطلاقًا من ميناء طنجة المتوسط إلى الجزيرة الخضراء، في ظرف قياسي لم يتجاوز ثلاثة أيام.
لقد تحوّل التعاون بين البلدين من تبادل محدود للمعلومات إلى شراكة عملياتية متكاملة تشمل التتبع، والرصد، والمداهمة، وتبادل البيانات الميدانية، مما يعكس نضجًا مؤسسيًا في إدارة الملفات الأمنية المشتركة.
التحريات كشفت عن استخدام الشبكتين أساليب تمويه متطورة، منها إخفاء المخدرات داخل تجاويف خشبية دقيقة أو ضمن قيعان مزدوجة لشاحنات مبردة، وتغليفها بألوان تشبه قطع الشوكولاتة لاستهداف فئات شبابية من المستهلكين.
إنها مؤشرات على تحديث متسارع في أنماط الجريمة المنظمة، حيث تزاوج هذه الشبكات بين التمويه التقني واللوجستيات العابرة للحدود، ما يجعل مكافحتها رهينة بالتعاون الدولي، لا بالجهود المحلية وحدها.
لم تعد مكافحة المخدرات ملفًا أمنيًا تقليديًا، بل أداةً لإعادة بناء الثقة السياسية بين الرباط ومدريد، خصوصًا بعد التحولات التي شهدتها العلاقات الثنائية منذ 2022.
فمن خلال نجاح عمليات مشتركة كهذه، يؤكد الطرفان أن التنسيق الأمني أصبح صمّام أمانٍ سياسيًّا في العلاقات الثنائية، وأن المغرب يشكّل اليوم ركيزة أساسية في المنظومة الأوروبية لمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية والإرهاب.
تفكيك شبكتين في ظرف وجيز يحمل رمزية مزدوجة: من جهة، يُبرز كفاءة الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية في اختراق دوائر تهريب معقّدة عابرة للحدود.
ومن جهة ثانية، يعكس تحوّل المتوسط من فضاء عبور غير منضبط إلى مجال مراقب بشكل ذكي ومتكامل، بفعل تكنولوجيات المراقبة والتنسيق القضائي المشترك.
تكشف هذه العملية عن وجه جديد للتعاون الأمني الإقليمي، يقوم على الذكاء الميداني وتبادل الثقة بين المؤسسات، أكثر من كونه مجرد اتفاق سياسي عابر.
وهي أيضًا دليل على أن المغرب لم يعد مجرد بلد عبور للمخدرات، بل شريك أمني فاعل في الحد من تمدد الشبكات الإجرامية نحو أوروبا. وهو ما يعني أن العملية لا تمثل انتصارًا أمنيًا فحسب، بل إعلانًا عن نضج جيوسياسي في إدارة الأمن العابر للحدود.





