‏آخر المستجداتبقية العالم

غموض “أوقفوا كل شيء”.. فرنسا تترقب انفجاراً اجتماعياً

ـ 10 سبتمبر، موعد قد يغيّر وجه فرنسا.. وحكومة بايرو على المحك ـ

(كش بريس/التحرير)ـ مع بداية الدخول السياسي الجديد، تعيش فرنسا على وقع حالة من الترقب المشوب بالقلق، إذ تتقاطع أزمة اقتصادية خانقة مع احتقان اجتماعي متصاعد، في ظل وضع سياسي بالغ الهشاشة. فالمشهد العام يبدو وكأن البلاد تتحرك فوق صفيح ساخن، حيث لا شيء يوحي بالاستقرار في المدى المنظور.

إصلاحات قاسية تثير الغضب
خطة الحكومة للتقشف وخفض المديونية ـ التي تشمل تجميد المعاشات وإلغاء يومين من العطل الرسمية ـ اعتُبرت من طرف شرائح واسعة “انقلاباً على المكتسبات التاريخية”، وأشعلت موجة غضب عارمة. وسائل الإعلام وفضاءات النقاش الرقمي تضجّ بانتقادات حادة، فيما لم يَسلم حتى الائتلاف الحاكم من التصدعات الداخلية. تصريحات رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، في احتفالات 14 يوليو، والتي دعا فيها الفرنسيين إلى “المزيد من العمل” مرفوقة بطرح إلغاء عطلتين رسميتين، ورغم محاولته التراجع عنها لاحقاً، زادت الوضع احتقاناً وأكدت الصورة السائدة بأن السلطة السياسية بعيدة عن نبض الشارع.

حكومة على حافة الانهيار
على المستوى السياسي، تبدو حكومة بايرو أضعف من أي وقت مضى. الانقسام داخل البرلمان وتآكل الثقة يغذّيان التكهنات بقرب إقالة رئيس الوزراء مع بداية سبتمبر، في محاولة استباقية لإفشال ملتمس سحب الثقة الذي تعتزم المعارضة عرضه يوم 8 من الشهر نفسه. لكن مأزق الرئيس إيمانويل ماكرون لا يقلّ تعقيداً: فأي تعديل حكومي أو تشكيل جديد لن يغيّر من واقع برلمان مشرذم، وقد يفتح الباب أمام انتخابات تشريعية مبكرة، وهو سيناريو ترى فيه النخب الفرنسية “خطر الانفجار السياسي الكامل”.

حركة غامضة تربك الحسابات
في خضم هذا المناخ، برزت حركة غير متوقعة تدعو إلى “إيقاف كل شيء” يوم 10 سبتمبر. انطلقت أولاً من موقع Les Essentiels المحسوب على تيار كاثوليكي قومي يرفع شعار “فرانكسيت”، ثم تبنتها قنوات يسارية راديكالية عبر تيليغرام مرتبطة بأنصار “فرنسا الأبية”. المفارقة أن الحركة بلا قيادة واضحة ولا برنامج سياسي، ومع ذلك، سرعان ما اجتاحت شعارها “أوقفوا كل شيء” شبكات التواصل، محققة تفاعلات غير مسبوقة.

هذا الغموض جعلها مثار تفسيرات متباينة: فهناك من يعتبرها نسخة مشوشة من حركة “السترات الصفراء” ستُسحق سريعاً أمام آلة الدولة، وهناك من يراها الشرارة التي قد تفتح الطريق أمام انفجار شعبي واسع. استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Toluna–Harris Interactive لصالح RTL كشف أن 63% من الفرنسيين يتعاطفون مع الدعوة، و58% يؤيدون فعلياً تعطيل الحياة العامة يوم 10 سبتمبر، فيما عبّر 68% عن تأييدهم لملتمس الرقابة ضد الحكومة.

الإعلام والسياسة والنقابات
في الفضاء الرقمي، تدفقت آلاف الدعوات إلى النزول للشوارع وشلّ المرافق، حيث حصدت الوسوم المرتبطة بالتحرك ملايين المشاهدات على تيك توك وإكس وفيسبوك. أما الإعلام الرسمي، فسعى إلى التشكيك في مصداقية الحركة عبر وصمها تارة بالتطرف اليميني وأخرى بالارتباط باليسار الراديكالي. سياسياً، أعلن جان-لوك ميلونشون، زعيم “فرنسا الأبية”، دعمه الكامل، معتبراً يوم 10 سبتمبر “لحظة الحقيقة”. بعض النقابات اليسارية انخرطت في الدعوة، بينما احتفظت نقابات أخرى مثل CFDT بموقف حذر مؤكدة أن “العصيان المدني ليس أسلوبها”.

السياق الأوسع: أزمة متعددة الأبعاد
المشهد لا يقتصر على الداخل فحسب:

  • داخلياً، تعاني فرنسا من حكومة متداعية ورئيس يزداد عزلة، مقابل صعود لافت لليمين المتطرف وتصاعد لخطابات العنصرية.
  • اقتصادياً، تتفاقم المديونية وتتراجع القدرة الشرائية بوتيرة تنذر بانفجار اجتماعي واسع.
  • خارجياً، تفقد باريس نفوذها التقليدي في إفريقيا، وتواجه احتجاجات متكررة في أقاليم ما وراء البحار، فضلاً عن الأعباء المالية والعسكرية لدعم أوكرانيا، وانكماش دورها كقوة دبلوماسية مستقلة بعد ارتهانها لمحور غربي منحاز لإسرائيل.

10 سبتمبر: موعد مفصلي
في ظل هذه العناصر المتشابكة، ينظر الفرنسيون إلى 10 سبتمبر باعتباره لحظة فارقة: هل يتحول إلى بداية مسار جديد قد يفتح أفق إصلاح جذري؟ أم يكون شرارة لانهيار أوسع يزيد من هشاشة الجمهورية؟ الحكومة تراهن على تغيير التوازن السياسي قبل هذا الموعد لتفكيك زخم الحركة، لكن لا ضمان لنجاح هذه المناورة.

بين الأمل والخوف، يقف الفرنسيون أمام موعد محفوف بالمجهول. البعض يرى فيه فرصة لزعزعة جدار الأزمة، فيما يتوجس آخرون من سقوط الجدار على رؤوس الجميع. المؤكد أن 10 سبتمبر لن يكون يوماً عادياً، بل قد يشكل نقطة تحول ليس فقط لمستقبل فرنسا، بل لمستقبل أوروبا كلها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button