
(كش بريس/محسن منير)ـ لم يعد حضور الدين في حياة المغاربة يتجلى بالصورة نفسها عبر مختلف الأجيال. فبينما تظل الهوية الدينية ثابتة وراسخة في الوعي الجمعي، تكشف دراسة دولية حديثة عن تراجع ملحوظ في الممارسة والشعائر لدى الشباب، ما يشير إلى بداية تحول تدريجي في أنماط التدين داخل المجتمع المغربي. الدراسة، المنشورة في مجلة “نيتشر كوميونيكيشنز”، تضع المغرب في قلب ظاهرة عالمية تعرف بـ“الانتقال العلماني”، حيث لا يتخلى الأفراد عن انتمائهم الديني بقدر ما يعيدون صياغة علاقتهم اليومية به.
ثلاثية التدين: المشاركة، الأهمية، الانتماء
اعتمدت الدراسة، المستندة إلى بيانات “مركز بيو للأبحاث” شملت 111 دولة، على ثلاثة مقاييس دقيقة لرصد الظاهرة:
- المشاركة: حيث تراجعت نسبة حضور الشباب للشعائر الأسبوعية مقارنة بكبار السن.
- الأهمية: إذ أظهر الشباب ميلاً أقل لاعتبار الدين “مهماً جداً” في حياتهم.
- الانتماء: ظل مستقراً تقريباً، ما يعكس استمرار التعريف بالذات من خلال الهوية الدينية.
هذا النمط، حسب الباحثين، يمثل السمة الأساسية للمرحلة الأولى من التحولات الدينية: تراجع السلوكيات العملية ذات الكلفة الزمنية والجهدية، مع تمسك الأفراد بالانتماء الرمزي والهوية.
المغرب ليس استثناءً
المغرب، وفق التحليل، ليس حالة منفردة؛ بل يوازي اتجاهات تشهدها مجتمعات إسلامية أخرى، حيث يتضح أن التحولات الدينية لا تنبع من رفض الهوية، بل من إعادة ترتيب العلاقة بين الدين والحياة اليومية. ويظهر هذا النموذج متمايزاً عن السياق الأوروبي، حيث تراجعت منذ عقود المشاركة والأهمية وصولاً إلى ضعف الانتماء ذاته.
دلالات التحول
تؤشر النتائج إلى أن التدين في المغرب يسلك مساراً تدريجياً، لا يقطع مع الهوية الدينية، لكنه يعيد تشكيل حضورها في المجال الفردي والاجتماعي. فالتراجع الملحوظ في الممارسة والشعائر بين الأجيال الشابة قد يعكس تحولات أعمق مرتبطة بعوامل التعليم، والانفتاح الثقافي، والتحولات الاجتماعية – من دون أن يصل بعد إلى مستوى الانفصال عن الانتماء الديني.
في المحصلة، فالدراسة تضع المغرب ضمن خريطة التحولات الدينية العالمية، حيث يبدو أن الأجيال الجديدة تتبنى شكلاً من التدين أكثر مرونة ورمزية، يحافظ على الهوية لكنه يقلص من ثقل الالتزام الشعائري. وهو مسار يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الدين والمجتمع في بلد طالما اعتُبر من أكثر الدول تمسكاً بتقاليده الدينية.