
ونحن نحيي حملة 16يوما تحسيسية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، التي تبتدئ من 25 نوفمبر(اليوم العالمي لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي ) إلى غاية 10 دسمبر (اليوم العالمي لحقوق الانسان ). حملة تعتبر شكلا من أشكال النضال الذي لازالت الحركة النسائية تخوضه من أجل القضاء عليه، وأيضا لإحداث تغييرات جذرية في وضعية المرأة المغربية على كل الاصعدة. من منطلق الايمان الأكيد أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يعرف نهضة وتقدما، أو يعيش تجربة تنمية فعلية وحقيقية، ونصفه يعاني من القهر والعنف و( الحكرة ). والنساء حسب آخر الاحصائيات التي قدمتها هيئة الامم المتحدة يتعرضن للعنف المفضي إلى الموت: هناك حوالي 840 مليون امرأة في العالم اي ما يقارب امرأة من بين 3 نساء تعرضت لعنف الشريك زوج أو شريك حميم، أو لعنف جنسي في حياتها .
فهل هذا العنف المسلط على النساء سنعتبره قدرهن المحتوم ، أم هي بنية ثقافية اجتماعية عميقة يمكن تغييرها؟ وبالنسبة لوضعية النساء بالمغرب، هل يمكن أن نتحدث عن نضج الشروط لكي يحققن قفزة نوعية في مسارهن الوجودي، أم أن ذاك المسعى سيظل رهين واقع لا يرتفع؟ ومنه نتساءل عن إشكال تحرر المرأة المغربية هل هو رهين الزمن السياسي أم الزمن التاريخي ، ام هما معا ؟.
يعتبر المغرب من بين الدول التي ظلت تشهد عبر مسار طويل ، عديدا من المحطات السياسية التي تعتبر عناصر أساسية شكلت زمنه السياسي منذ حصوله على الاستقلال الى يومنا هذا . محطات عرفت تجاذبات وصراعات …على المستوى السياسي والحقوقي . ولم تكن تسير بنفس الايقاع او تكتسي نفس الأهمية . فمن مرحلة الحصول على الاستقلال ، ووضع لبنات المؤسسات ، الى فترة ما عرف بسنوات الرصاص ، ثم التحولات التي شهدها المغرب في عهد الملك محمد السادس ، خصوصا ما تم تحقيقه على مستوى المصالحة والانصاف . الى دستور 2011 الذي جاء بعد ما يعرف باحتجاجات حركة 20 فبراير …. والذي عبر عن تحول كبير في العلاقة بين الدولة والمجتمع .
ما يمكن الاشارة اليه هنا هو انه ونتيجة للاحداث ، أو الضغوطات التي منها ماهو داخلي او ماهو خارجي ، يتم إتخاد قرارات ، تكون بمثابة رد فعل على مجريات الاحداث المتسارعة ،ليعرف الزمن السياسي حركية يكون لها ما بعدها، وأيضا تكون لها قيمتها وأهميتها في مسار المجتمع المغربي . دون أن يمس ذلك في شيئ الزمن التاريخي الموسوم بالتراكم وبالتغيير البطيئ ، لكنه الأعمق وذو المدى الطويل …. سننطلق من هذه الخلاصة ، ونعتبرها فرضية ، نحاول من خلال تطبيقها على ما يعيشه بلدنا من أحداث، ومن قضايا تستلزم حلولا والاجابة عنها بغاية الدفع بالمجتمع المغربي في الاتجاه الصحيح.
سنأخد كمثال على هذا ، إشكال مدونة الاسرة الذي لا زال يتطلب الكثير من الجهد والتفكير بشكل يسهم في حل معضلة الاسرة المغربية ، التي تلقي بظلالها على المجتمع لما لها من كبير الاثر السلبي عليه وبالتالي مسيرة النماء والتقدم في بلادنا .
لقد كان المغرب فيما يخص القضاء الشرعي قبل سنة 1957 ، يعتمد على الفقه المالكي ، بوصفه مصدرا رئيسيا للاحكام في كل ما يتعلق بقضايا الاسرة ، من هنا كان القضاة في استنادهم على هذا الفقه يختلفون في الاحكام التي يصدرونها ، نظرا لغياب مدونة توحد رؤاهم ومواقفهم .
وبعد أن حقق المغرب استقلاله ، صدر أول قانون من شأنه تنظيم كل ما يخص الاسرة المغربية ، من زواج وطلاق اهلية ، وصية وارث ..،وهو ما عرف تحت اسم مدونة الاحوال الشخصية .
كان الطابع الذي يسم هذه المدونة هو روح المحافظة والتقليد ، حيث كان الرجل يحتكر السلطة داخل الاسرة ، فكان الطلاق بيده ، وتعدد الزوجات من حقه ، أما المرأة فكانت محرومة من العديد من الحقوق في حين تطالب بكل الواجبات الزوجية ، وكانت الولاية شرطالازما لزواجها .
إلا أنه وبفضل نضالات المجتمع المدني ونشطائه ، وأيضا قناعات ونضالات بعض الاحزاب المؤمنة بالمرأة وقدراتها ، وحقها في العيش الكريم ، نجد مرحلة التسعينيات ( 1993 ، تشهد مجموعة من التعديلات في مدونة الاحوال الشخصية، مثل تقييد تعدد الزوجات / الطلاق يتم تحت مراقبة هيأة القضاء / ، جعل طلب التطليق من طرف الزوجة لوجود الضرر اكثر اتساعا . لكن ، ما يعاب على هذه الخطوة ( التعديلات )، هو أنها ظلت محتشمة ، وغير كافية ، لانها ظلت تحتفظ بشحنة تقليدية ، وأيضا لم تتوفق في تحقيق المساواة بين الجنسين .
وفي سنة 2004 تم إصدار مدونة الاسرة الجديدة ، وكانت تحبل بالجديد ، وأيضا بالاستجابة لعدة مطالب وجدت طريقها الى الحل :
كرفع سن الزواج الى 18سنة للجنسين / تقييد التعدد ( لابد من إذن قضائي ، وأيضا من مبرر استثنائي ، وموافقة الزوجة الاولى /جعل الولاية حقا للراشدة /المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين /إقرار مبدأ الكرامة والمسؤولية بالنسبة لكليهما في الاسرة /احكام النفقة والحضانة تم تطويرهما بما يخدم مصلحة الاطفال ./التطليق وكذلك الطلاق ، تم توسيع أسبابهما ، مع الحرص على يتم الطلاق تحت إشراف هيأة القضاء . إلا أن تطبيق ما جاء في المدونة ، اعترضته العديد من المعيقات ، منها ماهو تشريعي ، مما أظهر بالملموس محدودية المدونة ، سواء على مستوى المضامين او على مستوى الممارسة القانونية والقضائية .
أضف الى هذا بروز التناقض الصارخ بين المحتوى الذي غلب عليه ماهو محافظ /تقليدي ، وبين مقتضيات الدستور 2011، وكذلك ،مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الانسان : اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).وكذلك اتفاقية حقوق الطفل .
مما خلف نقاشا كبيرا بهذا الخصوص ، وكانت المطالبة من طرف الناشطين الحقوقيين وكل من يخوض معركة القضية النسائية ، بضرورة الخروج من هذه الأزمة المجتمعية التي تحاصر الاسرة المغربية ، من خلال تعطيل تحقق فرص العيش الكريم للنساء ، كمكون رئيسي للمجتمع ، وأيضا الاطفال الذين يجب مراعاة مصلحتهم الفضلى ، مما ترتب ترتب عنه الدعوة الى مراجعة مدونة الاسرة .
الملك محمد السادس في خطاب العرش يوليوز 2022 دعا الى مراجعة المدونة لتتلاءم مع روح المساواة والعدالة.وهكذا ابتدأت مرحلة المشاورات الوطنية بخصوص قضايا عديدة منها : الارث ، سن الزواج ، الولاية ،التعدد .
في سنة 2023 انطلق مسار الاصلاح من خلال الهيئة المكلفة بمشروع إعادة النظر في مدونة الاسرة ، تحت توجيهات ملكية تنص على تفعيل المساواة بين الجنسين ، في افق مناصفة تحفظ للنساء حقوقهن . ملاءمة التشريعات مع ما يعيشه المجتمع المغربي من تحولات ، ومع مقتضيات الدستور، والاتفاقيات الدولية ، الى جانب التأكيد على مشاركة النساء الاقتصادية .
ما يلاحظ هو أن الاشتغال ما زال مستمرا نظرا لطبيعة الموضوع ( القضية )،وعلاقته بالتحول المجتمعي ، ومازال زمن الانجاز والتنفيد النهائي غير محدد على أجندة انتظارات ومطالب النساء العادلة ، وانتظارات المجتمع .
وهذا إن دل على شيئ ، فإنما يدل على طبيعة القضية المطروحة ( تغيير شامل للمدونة )،والتي تستمد عمقها التاريخي من طبيعة الزمن التاريخي لأنه الاطار المرجعي للتحولات التي من المفترض ان تعرفها ثقافة المجتمع وقيمه، وعلاقاته وأدواره . فالزمن التاريخي هو زمن ذو حمولة عميقة ، وهذا العمق هو ما يعني التجذر في السلوك ، القيم ، النظرة والتصور للعلاقات الأساسية في هذا المجتمع .
وحتى يكون هناك تغيير باسم الاجتهاد ، أي إعمال العقل ، ينبغي ان يتحرر العقل أصلا من أية سلطة تقيد عمله وآليات اشتغاله ،وهنا ستكون حمولة الزمن التاريخي خاضعة وبمسافة عقلانية للتغيير المنهجي الملائم لمتطلبات المرحلة ، ومتطلبات الفكر والسلوك والعلاقات الاجتماعية ، وغير ذلك فستكون عملية الاجتهاد ، وحتى وإن كان اجتهادا اجتماعيا نسقيا مقاصديا ، على أساس أنه فقه جديد يساير واقعا جديدا مركزا على الابعاد الاجتماعية ، محاولا تفادي الضرر، وهو يقيس الشاهد على الشاهد ، بدل قياسه على الغائب ، استجابة للعصر ،إلا أن عملية الاجتهاد هاته ستظل شكلية بحتة لاتفي بتحقيق متطلبات تغيير شامل للمدونة ، وبالتالي النهوض الفعلي بوضعية النساء المرجوة .





