
وأنا قاصد قبل يومبن مطعم دار اسبانيا بالحي الجامعي الدولي بالمقاطعة 14 بباريس ، استوقفتني لوحة في المدخل الرئيسي تشير إلى مرور قرن (1925-2025) على تأسيس هذه المعلمة الجامعية التي حضنت آلاف الطلاب من جنسيات وديانات وثقافات مختلفة، ولعبت أدوارا علمية. وثقافبة وسياسية بالنسبة لفرنسا والعالم برمته.
يعد الحي الجامعي الدولي مدينة متكاملة من حيث مساحته الكبيرة ودور السكن التي تتجاوز الأربعين وصالات المسرح والفنون والسينيما و المحاضرات، ومن حيث قاعات وملاعب الرياضة ، كما يضم ساحات خضراء بديعة الجمال والتنظيم.. فهو بكل المقاييس، فضاء للتعايش السلمي بين الجنسيات المختلفة دينيا ولغوبا وثقافبا، ولغل هذا ما شكل أساس فلسفة إحداث وبناء هذا الفضاء عام 1925، أي بعد انتهاء الحرب الكونية الأولى.
يسجل للحي ااجامعي الدولي مساهمته الكبيرة في نشر ثقافة السلم والتسامح. وقد أدى دورا بطوليا في مقاومة النازية ، كما حضن أبناء البلدان المستعمرة وعرف بنضالات حركاتها الاستقلالية ، ومثل مجالا حيويا لمواكبة التحولات الثقافية الكبرى في العالم من قبيل حركة مايو 1968في فرنسا والثورة الثقافبة في الصين وثورة الخميني لاحقا في إيران.. وفي كل هذه المحطات الكبرى في التاريخ العالمي ظل الطلاب في الحي الجامعي الدولي شعلة للنقاشات المواكبة لهذه التحولات..
زرت الحي الجامعي الدولي لأول مرة في سبتمبر 1981 وقد شاهدت فصولا من هذه النقاشات خصوصا حول إيران وبداية صعود ما سمي لاحقا الإسلام السياسي.. غير أن هذا النوع من النقاشات السياسية ذات الطابع الايديولوجي بدأت تتراجع وتخبو منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحديدة لأسباب كثيرة.
تعتبر دار المغرب واحدة من الدور المميزة في منظومة دور الحي الجامعي الدولي. وقد أسست بدعم مباشر من المغفور له الملك محمد الخامس، وظلت شعلة في استقبال الطلاب المغاربة َوتوفير إطار ملائم للتحصبل والدراسة ، فقد سكن بها عشرات الطلاب والطالبات المغاربة هم نخبة مميزة في بلدهم َ وفي العالم ، كما شكلت دار المغرب على امتداد فوران الحركة الطلابية المغربية ملاذا للكثير من القيادات الطلابية.
حين زرت دار المغرب عام 2000 للمشاركة في مهرجانها الثقافي السنوي عز علي أن أرى ما آلت اليه هذه الدار من فوضى و سوء تنطيم، غير أن زيارتي لها في يناير الماضي 2025 لاحظت الآثار الإيجابية التي طرأت عليها بسبب الإصلاحات الجوهربة التي تعرضت لها في السنوات الأخيرة..
الحي الجامعي الدولي ودار المغرب جزء من ذاكرة تاريخية جماعية، تستحق الزيارة كلما سنحت الظروف بذلك.