
ـ بنسعيد يرفض توسيع فئة “الحكماء” ويؤكد واقعية التمثيلية المقترحة ـ
(كش بريس/التحرير)ـ صادقت لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، مساء الاثنين، على تركيبة المجلس الوطني للصحافة كما وردت في مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيمه، في خطوة تشريعية أعادت إلى الواجهة النقاش القديم-الجديد حول طبيعة التمثيلية داخل هذه المؤسسة التنظيمية وحدود التوازن بين مكونات الحقل الإعلامي.
وينص مشروع القانون على أن يتكون المجلس الوطني للصحافة من 19 عضوا موزعين على ثلاث فئات. وتضم الفئة الأولى سبعة ممثلين عن الصحافيين المهنيين، من بينهم ثلاث صحافيات على الأقل، يتم انتخابهم من طرف الهيئة الناخبة للصحافيين وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل. أما الفئة الثانية فتشمل سبعة ممثلين عن الناشرين يتم انتدابهم من طرف المنظمات المهنية، إضافة إلى عضوين من فئة “الناشرين الحكماء” من ذوي الخبرة والكفاءة، وهو الاختيار الذي دافع عنه وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد باعتباره “خيارا منطقيا وواقعيا”.
وفي معرض تفاعله مع التعديلات المقترحة، جدد الوزير تمسكه بمبدأ الانتداب بالنسبة لفئة الناشرين، رافضا إخضاعهم لنظام الاقتراع على غرار الصحافيين المهنيين، معتبرا أن الناشرين لا يشكلون هيئة مهنية من الأشخاص الذاتيين، وأن الانتداب يتيح تمثيلية “عادلة ومتوازنة” تراعي الوزن الاقتصادي والتدبيري لكل مقاولة إعلامية. غير أن هذا الطرح، رغم انسجامه مع منطق المقاولة، يثير تساؤلات حول مدى انسجامه مع مبدأ المساواة في التمثيل داخل مؤسسة يفترض أنها تؤطر المهنة برمتها، لا جانبها الاقتصادي فقط.
وفي السياق ذاته، رفض الوزير مقترح فريق الاتحاد العام للشغالين القاضي بإضافة عضوين من “الصحافيين الحكماء” يتم انتدابهم من لدن النقابات الأكثر تمثيلية، مبررا ذلك بأن فئة الحكماء، كما وردت في المشروع، تجسد تجربة مشتركة في مجالي الصحافة والنشر، بما يسمح لها بلعب دور توازني داخل المجلس. غير أن عددا من المهنيين يرون في هذا التبرير تكريسا لاختلال رمزي في التمثيلية، خاصة في ظل التنصيص الصريح على “ناشرين حكماء” دون مقابل واضح من جانب الصحافيين، ما يطرح إشكالية تكافؤ المواقع داخل المجلس.
كما لم يتجاوب الوزير مع مطلب اعتماد الاقتراع باللائحة، الذي تدافع عنه النقابة الوطنية للصحافة المغربية، معتبرا أن نمط الاقتراع الفردي المعتمد في المشروع يعزز المسؤولية الشخصية للمرشحين أمام الهيئة الناخبة. وهو موقف يعكس توجها تشريعيا يفضل الفردانية الانتخابية على المنطق التمثيلي الجماعي، لكنه في المقابل لا يبدد مخاوف المهنيين من تفتيت الأصوات وإضعاف القدرة التفاوضية داخل المجلس.
وامتد رفض التعديلات ليشمل أيضا مقترح الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بخصوص تقييد أثر الاستقالة بتاريخ يوم العمل الموالي لتوصل رئيس المجلس بها. واعتبر الوزير أن هذا التقييد غير مبرر تشريعيا، لأن الاستقالة، باعتبارها تصرفا انفراديا، تنتج آثارها القانونية فور التوصل بها، وأن إدخال قيد زمني إضافي يخل بوحدة النظام القانوني المنظم لانتهاء العضوية.
وفي المحصلة، تعكس المصادقة على تركيبة المجلس الوطني للصحافة، بالشكل الذي دافعت عنه الحكومة، توجها تشريعيا يراهن على الاستمرارية والاستقرار المؤسساتي، لكنه في الوقت نفسه يفتح نقاشا واسعا حول طبيعة التوازن داخل المجلس، وحدود التوفيق بين منطق التنظيم المهني ومتطلبات الديمقراطية التمثيلية، في قطاع لا يزال يعيش على إيقاع أسئلة الاستقلالية، والشرعية، والقدرة على التأطير الذاتي.





