
(كش بريس/ التحرير) ـ وضع “مؤشر الحقوق العالمي” الذي يشرف على إعداده الاتحاد الدولي للنقابات، في نسخته ال12 لسنة 2025، (وضع) المغرب ضمن 43 دولة مصنفة في المجموعة الثالثة، وهي الدول التي تسجل “انتهاكات منتظمة للحقوق” ، ما يعبر عن صورة قاتمة لوضع الحريات النقابية في المملكة.
ويؤكد المؤشر على تراجع المغرب عن التزاماته الدستورية والدولية في ما يتعلق بحرية التنظيم النقابي والحق في الإضراب والمفاوضة الجماعية، مبرزا أن الحكومة المغربية عمدت في أواخر دجنبر 2024 إلى تمرير مشروع قانون يتعلق بالإضراب دون أي شكل من أشكال المشاورة المسبقة مع النقابات، في تجاهل تام للمقاربة التشاركية المفترض اعتمادها في قضايا تمس الحقوق الأساسية للعمال.
وأشارت الوثيقة نفسها، إلى أن كلا من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، قادتا حملة وطنية واسعة ضد هذا القانون منذ يناير 2025، واصفتين إياه بـ”العدوان الصريح على الحريات النقابية”، غير أن المحكمة الدستورية أيدت القانون، مما أثار موجة استياء داخل الأوساط العمالية والنقابية بالمملكة.
وتابع التقرير، إن المثير للقلق في القانون الجديد أنه يعيد تعريف الإضراب بشكل ضيق، مقتصرا على المطالب المرتبطة مباشرة بعلاقات الشغل، مستبعدا بذلك الاحتجاجات التي تهم القضايا الاجتماعية الأوسع مثل تكاليف المعيشة والسياسات العمومية. كما ينص القانون على عقوبات ضد النقابات غير الممتثلة، ويمنح السلطة القضائية دورا مباشرا في النزاعات الشغلية، وهو ما عدّه التقرير تدخلا مرفوضا في الشأن النقابي وخرقا لمبدأ استقلالية العمل النقابي.
الأسوأ من ذلك، أن القانون يفرض العمل القسري خلال فترات الإضراب في بعض الحالات، وهو ما يشكل انتهاكا سافرا للحق في الإضراب المكفول دستوريا، وهو ما أكده الاتحاد الدولي لنقابات العمال في تقريره السنوي.
وأضاف، أنه رغم أن دستور المملكة المغربية يكرس الحق في حرية تأسيس النقابات والانضمام إليها، إلا أن الواقع التشريعي والتنظيمي يظهر تناقضا صارخا. وفقا للتقرير، فإن القانون المغربي من خلال مدونة الشغل وظهائر تنظيمية أخرى، يفرض قيودا متعددة على حرية التنظيم النقابي. على سبيل المثال، يُمنع القضاة والعديد من موظفي الدولة من تأسيس أو الانضمام إلى نقابات، كما أن العمال الزراعيين والعمال المنزليين محرومون من حماية مدونة الشغل، مما يسلبهم فعليا حق التنظيم النقابي.
بالإضافة، يقول التقرير، إلى ذلك عراقيل إدارية وقانونية تعيق تأسيس النقابات الجديدة، حيث ينص الفصل 398 من مدونة الشغل على أن تشكيل نقابة يتطلب أن يكون الأعضاء من نفس المهنة أو المهن المرتبطة بها، في حين يعطي الفصل 426 من نفس المدونة للنيابة العامة صلاحية طلب حل أي نقابة تخالف هذه القواعد، ما يعني وجود تهديد دائم بتفكيك النقابات النشطة.
كما تظهر تقارير الاتحاد الدولي لنقابات العمال أن السلطات المغربية لا تكتفي بإقرار تشريعات مقيدة، بل تلجأ إلى القمع المباشر أحيانا. ففي 2025، قمعت قوات الأمن المغربية مظاهرات نظمتها النقابات التعليمية احتجاجا على العقود المحددة الأجل والمطالبة بتحسين ظروف التعليم، باستخدام خراطيم المياه والهراوات، في مشهد يعكس التعامل الأمني مع مطالب اجتماعية سلمية.
وعلى صعيد الحق في المفاوضة الجماعية، رغم الاعتراف به قانونيا، إلا أن هذا الحق يبقى محدودا عمليا بسبب اشتراط تمثيلية النقابة بنسبة لا تقل عن 35 بالمائة من مندوبي الأجراء في المؤسسة، ما يحد من قدرة النقابات على التفاوض، خاصة في ظل انقسام الحركة النقابية وتعدد تمثيلياتها. كما أن فئات عريضة من موظفي الدولة، خاصة الذين يستخدمون السلاح أثناء أداء مهامهم كموظفي السجون والحرس الغابوي، لا يملكون أصلا هذا الحق.
وأفاد التقرير أن المغرب لا يزال من بين الدول التي تفرض قيودا صارمة على أنواع معينة من الإضرابات، مثل الاعتصامات والإضرابات المفاجئة أو التي لا تتبع الإجراءات القانونية الصارمة، حيث يواجه المشاركون فيها خطر العقوبات الجنائية أو الإدارية، قد تصل إلى السجن أو الطرد من العمل. المادة 288 من القانون الجنائي المغربي، على سبيل المثال، تفرض عقوبات قد تصل إلى عامين حبسا وغرامات مالية ثقيلة على كل من يشارك في إضراب يُعتبر غير قانوني أو يحرض عليه.
وتكمن خطورة الوضع في أن الدولة تحتفظ بصلاحيات واسعة لحل النقابات أو تجميد أنشطتها، سواء من خلال القضاء أو بقرارات إدارية، ما يهدد جوهر الاستقلالية النقابية. فعلى سبيل المثال، يجيز الفصل السابع من ظهير 1958 للسلطات أن تحل أي جمعية أو نقابة لم تحترم شروط التصريح المسبق. كما يمكن حل النقابة إذا مارست أنشطة مخالفة لأهدافها المعلنة، وهو شرط فضفاض يفتح الباب أمام تعسف السلطات .
وخلص إلى أن المغرب لا يعد استثناء في هذا السياق العالمي المتدهور، إذ كشف التقرير أن 87 بالمائة من الدول حول العالم شهدت في 2025 قيودا أو حظرا على الإضرابات، وهو رقم قياسي غير مسبوق منذ انطلاق المؤشر سنة 2014. ويعني هذا أن التراجع عن الحقوق النقابية أصبح ظاهرة عالمية، تتغذى من صعود تيارات سلطوية وتمدد نفوذ مصالح رأس المال، حيث يتم تصوير النقابات على أنها تهديد للنظام العام أو أدوات خارجية تخدم أجندات أجنبية، ما يُشرعن تجريم العمل النقابي.