
(كش بريس/التحرير)ـ جاء تصنيف المغرب في المركز 148 عالميًا ضمن مؤشر مخاطر الاستثمار والمرونة العالمي الصادر عن مؤسستي “هينلي أند بارتنرز” و“ألفا جيو”، ليعكس مفارقة معقدة في المشهد الاقتصادي الوطني: بلد يزخر بالإمكانات والفرص، لكنه يواجه تحديات بنيوية تحدّ من قدرته على الصمود في وجه المخاطر المتسارعة عالميًا. فبحصوله على 55.42 نقطة من أصل 100، ووجوده ضمن فئة “قائمة مراقبة المخاطر”، يتموقع المغرب في منطقة وسطى تميل نحو الهشاشة، حيث تتعايش مقومات النمو مع معضلات التكيف الاقتصادي والمؤسساتي.
يستند المؤشر إلى منهجية مزدوجة تجمع بين قياس مستوى التعرض للمخاطر ومدى الجاهزية لمواجهتها، في محاولة لإعادة تعريف مفهوم “الاستقرار” الاقتصادي لا بوصفه غيابًا للمخاطر، بل باعتباره قدرة على امتصاص الصدمات وإعادة إنتاج التوازن. وبهذا المعنى، فإن تصنيف المغرب لا ينبغي قراءته كمجرد نتيجة رقمية، بل كإشارة تحذيرية إلى حدود النموذج التنموي في مجابهة التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية التي تطبع عالم ما بعد الأزمات.
ففي الوقت الذي تتصدر فيه سويسرا قائمة الدول الأكثر صمودًا بفضل مؤسساتها المستقرة وقدرتها العالية على التكيّف، وتقبع لبنان وهايتي وجنوب السودان في ذيل الترتيب، يظل المغرب، كسائر دول الجنوب المتوسطي، في منطقة رمادية. هذه المنطقة تكشف أن التنمية الاقتصادية وحدها لا تكفي دون مرونة مؤسساتية وتوازن في إدارة المخاطر. فالمؤشر يدمج أبعادًا معقدة: من التضخم والحوكمة إلى الابتكار والمناخ، وهي مجالات ما تزال تتباين فيها مؤشرات المغرب بين التقدم النسبي والبطء البنيوي.
من الزاوية التحليلية، تطرح هذه النتيجة سؤالًا أعمق حول القدرة البنيوية للاقتصاد المغربي على الصمود أمام التحولات المتشابكة. فالمخاطر هنا ليست اقتصادية محضة، بل متداخلة مع السياسة والبيئة والتكنولوجيا. وإذا كانت الحكومة قد راهنت في العقد الأخير على إصلاحات كبرى (الجهوية المتقدمة، تعميم التغطية الصحية، الانتقال الطاقي، دعم الاستثمار الصناعي)، فإن ضعف الفعالية الإدارية وبطء الرقمنة وتفاوت مستويات الحوكمة يجعل هذه الجهود غير كافية لترسيخ مناعة مؤسساتية حقيقية.
ويكتسي التحليل الصادر عن “ألفا جيو” دلالة إضافية حين يميز بين الخطر كمعطى موضوعي والمرونة كقوة بنيوية؛ فالدول التي تمتلك أنظمة فعالة للابتكار والتخطيط المستقبلي تستطيع تحويل الأزمات إلى فرص. من هنا، يتضح أن تصنيف المغرب ليس حكمًا نهائيًا، بل مؤشرًا على الحاجة إلى إعادة بناء تصور شامل لإدارة المخاطر يتجاوز المقاربة الأمنية أو المالية الضيقة إلى مقاربة شمولية تجمع بين الاقتصاد والمعرفة والمجتمع المدني.
كما يلفت الانتباه تصريح باراغ خانا الذي يرى أن “المخاطر العالية ليست سلبية دائمًا إذا رافقتها مرونة قوية”، في إشارة إلى أن العالم لم يعد يقيس النجاح بتقليص المخاطر، بل بقدرة الأنظمة على امتصاصها دون انهيار. هذا المفهوم يرتبط مباشرة برؤية المغرب لمستقبله التنموي في ظل الأزمات العالمية المتكررة، خصوصًا بعد الجائحة وكارثة الزلزال والتقلبات المناخية.
إن إدراج المغرب ضمن قائمة “المراقبة” يجب أن يُقرأ كفرصة لإعادة تقييم النموذج الوطني من حيث التوازن بين الطموح الاستثماري والجاهزية المؤسسية، وبين جذب رؤوس الأموال وضمان بيئة آمنة ومستقرة ومستدامة. فالمؤشر لا يُدين الدول، بل يدعوها إلى التفكير في نوعية استجاباتها. ومن ثم، فإن الطريق إلى تحسين ترتيب المغرب يمر عبر تعميق الإصلاح الإداري، وتحسين الحوكمة، وتثمين الاقتصاد الأخضر والرقمي، وتعزيز مرونة السياسات العامة تجاه الصدمات الخارجية.
في الختام، يبيّن هذا التصنيف أن الرهان المستقبلي لم يعد على النمو وحده، بل على جودة المرونة. فالمغرب، وهو على أعتاب مشاريع كبرى في الاستثمار الطاقي والرقمنة والسيادة الصناعية، مدعو إلى تحويل المخاطر إلى فرصة لبناء اقتصاد أكثر نضجًا وشفافية واستدامة، قادر على المنافسة لا رغم المخاطر، بل بفضل إدراكه العميق لطبيعتها وكيفية تدبيرها.