
(كش بريس/خاص)ـ قال عبد الصادق مجدوبي، الخبير في التنمية المحلية، إن “العديد من الجماعات الترابية تعاني من خلل جوهري في نظرتها الاستراتيجية، حيث يتركز اهتمامها على إنجاز الأعمال والمشاريع بشكل منفصل عن الاهتمام بتطوير واستثمار الموارد البشرية. هذا التوجه القاصر يحول الموظف من عنصر فاعل ومبدع إلى مجرد أداة لتنفيذ المهام”.
وأضاف مجدوبي، الذي شغل مناصب عديدة في مجال الجماعات الترابية، وقام بإدارة مشاريع هيكلية طيلة أربعة عقود ونيف، أن هذه الرؤية الضيقة ينتج عنها عدة آثار سلبية، من بينها، تدني الكفاءة والفعالية، حيث إنجاز الأعمال دون المستوى المطلوب من الجودة والكفاءة، مما يؤثر سلبًا على الخدمات المقدمة للمواطن.
وأكد الخبير أن انتشار الإحباط واللامبالاة، كحالة من الضجر والانسحاب النفسي بين الموظفين، يأتي بسبب عدم إحساس الكفاءات بالتقدير أو بقيمة مساهماتهم، علاوة على ما وصفه ب”هدر طاقات الابتكار”: “، كإهمال الطاقات الإبداعية والاقتراحات المبتكرة التي يمكن أن يقدمها الموارد البشرية، مما يفقد المؤسسة فرصًا حقيقية للتطوير.
وأورد بهذا الخصوص، جانب آخر من الآثار السلبية، كارتفاع معدل الدوران الوظيفي، في فقدان الكفاءات والخبرات التي تبحث عن بيئة عمل أكثر تقديرًا وتحفيزًا، والتي تعود أسبابها في نظره، إلى انعدام الصلة بين الأهداف، كعدم وجود ربط استراتيجي بين أهداف وتطلعات الموارد البشرية (التنمية الشخصية، التقدير، الأمان الوظيفي) وبين الأهداف الاستراتيجية العليا للجماعة الترابية. وثقافة الإنجاز الكمي، بهيمنة ثقافة تقيس النجاح بعدد المشاريع المنتهية أو المهام المكتملة، متجاهلة معايير الجودة والرضا الوظيفي والاستدامة. ونقص في المهارات القيادية، في تركيز بعض القادة على الجانب الإداري والتقني للعمل، مع إهمال الجانب القيادي التحفيزي والتواصلي.
واقترح مجدوبي من أجل لعلاج هذه الإشكالية، ضرورة التحول إلى نموذج قيادي يستثمر في الإنسان كرأس مال أساسي، من خلال: الاستماع الفعال والنشط: الاستماع للموظفين بعقل منفتح وقلب متعاطف لفهم احتياجاتهم، تطلعاتهم، وعقباتهم، وليس فقط لسماع شكواهم. وبناء ثقافة التقدير والانتماء: نشر مشاعر التقدير والاهتمام الصادق بين أفراد الفريق، والاحتفاء بالإنجازات الفردية والجماعية، مما يعزز الانتماء للمؤسسة. والتركيز على تطوير الفريق: جعل نمو وتطور الفريق أولوية قصوى، من خلال توفير فرص التدريب، التمكين، وإشراكهم في صنع القرار.
إضافة إلى ذلك، الدعم الشامل في المنشط والمكره: الوقوف مع الموظفين ودعمهم ليس فقط في أوقات العمل بل أيضًا في الأوقات الصعبة والظروف الاستثنائية، مما يبني علاقة قائمة على الثقة والولاء. وربط الأهداف الشخصية بالمؤسسية: وضع خطط تنمية فردية لكل موظف، وربط تحقيق أهدافه الشخصية (كالتدريب أو الترقية) بمساهمته في تحقيق رؤية ورسالة الجماعة الترابية.
وخلص ذات المتحدث، إلى أن التحول من ثقافة “إنجاز المهام” إلى ثقافة “استثمار الإنسان” ليس رفاهية، بل هو استثمار استراتيجي في رأس المال البشري الذي يُعد أساسًا لأي إنجاز مستدام. قيادة الموارد البشرية بذكاء عاطفي وإستراتيجي هي الكفيلة بتحويل الجماعات الترابية إلى منظمات حيوية، مبتكرة، وقادرة على تحقيق أهدافها بكفاءة عالية وبرضا وظيفي أكبر.