
(كش بريس/التحرير)ـ في رأي صادر حول وضعية التنافس داخل سوق المطاحن بالمغرب، دعا مجلس المنافسة إلى مراجعة جذرية للإطار القانوني المنظم للدعم العمومي، معتبراً أن الصيغ المعمول بها حالياً تعيق السير الطبيعي للمنافسة. واقترح المجلس الشروع في رفع تدريجي للدعم الموجه إلى الدقيق الوطني للقمح اللين والخبز، وتعويضه بآليات للدعم المباشر تستهدف الأسر ذات الدخل المحدود.
وأكد المجلس أن إلغاء الدعم في شكله الحالي يجب أن يتم بشكل متدرج ومنسق، مبرزاً أن الهدف ليس تقليص حضور الدولة، وإنما جعله أكثر فعالية وتماشياً مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية. ويرى المجلس أن هذا التوجه منسجم مع روح القانون 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، بما يسهل الانتقال إلى نموذج دعم مباشر أكثر عدلاً.
وأوضح المجلس أن إصلاح منظومة الدعم يقوم على مبدأ التحويل التدريجي للمساعدات من دعم غير مباشر للسلع إلى دعم مباشر للأسر الهشة، بما يضمن عدالة أكبر ويوجه الموارد نحو المستفيدين الحقيقيين. ويرى أن هذا النهج سيحد من الهدر ويضمن استفادة الأسر الأكثر هشاشة، خاصة مع إدماج أدوات رقمية للرصد والتتبع توفر شفافية أكبر في تدبير الأموال العمومية.
وفي السياق ذاته، أوصى مجلس المنافسة بمراجعة شاملة للترسانة القانونية المنظمة لقطاع المطاحن، من أجل خلق توازن جديد بين الدعم العمومي وتنشيط السوق، مشدداً على ضرورة إدراج هذه المراجعة ضمن سياسة مندمجة للدعم تهدف إلى تعزيز تنافسية القطاع وتقليل اعتماده على الواردات.
وسجل المجلس أن النظام الحالي يعرف تشتتاً في آليات الدعم وغياباً للانسجام في طريقة توزيعه، إذ تُمنح المساعدات العمومية بشكل غير متناسق ولا تنسجم مع رؤية استراتيجية موحدة، ما يقلص من فعاليتها ويؤدي إلى سوء تخصيص الموارد. وأضاف أن هذا الوضع يُضعف أثر الدعم على تنمية القطاع ويشكل عبئاً إضافياً على الميزانية العامة، داعياً إلى اعتماد مقاربة مبسطة ومتكاملة تضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتعزز مرونة السوق أمام التقلبات الاقتصادية.
وحتى يتحقق هذا التوازن، يرى المجلس ضرورة توجيه الدعم نحو المطاحن لتشجيع استعمال الإنتاج المحلي من الحبوب، وتطوير علاقة أفضل بين الإنتاج الوطني والواردات، إلى جانب دعم الفلاحين والمنتجين. كما شدد على أهمية إعادة النظر في نظام الحماية الجمركية وحصص الاستيراد بما يوفق بين متطلبات تنظيم التجارة الخارجية وضمان بيئة تنافسية سليمة.
ودعا التقرير إلى تبسيط إجراءات تحديد الأسعار وتوزيع الدعم، مؤكداً أن الوضوح والشفافية في هذه العمليات هما مفتاح تعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين، وجعل السوق أكثر قابلية للتوقع. كما شدد على ضرورة إرساء آليات دقيقة للمراقبة لضمان وصول الدعم إلى الفئات المستحقة فقط، على أن يواكب هذا التحول تقييم شامل لتأثيراته على القدرة الشرائية وحالة الميزانية العمومية.
وفي الجانب المرتبط بالإنتاج، أوصى المجلس بربط الدعم العمومي بمؤشرات الأداء والإنتاجية، من خلال إحداث نظام دعم متباين يكافئ الفاعلين الذين يعتمدون ممارسات فلاحية وصناعية ناجعة ومستدامة، مثل تحسين تقنيات الري، وتناوب المحاصيل، وتنويع منتجات المطاحن. ويرى التقرير أن هذا النهج سيمنع استمرارية دعم الفاعلين غير التنافسيين، ويحفزهم على تحديث أساليب عملهم.
كما شدد مجلس المنافسة على ضرورة تحسين البنى التحتية الخاصة بالتخزين وربط الدعم بتبني حلول تقنية فعالة، مثل الصوامع ذات التهوية المحسنة التي تقلل من الخسائر بعد الحصاد، مقترحاً أيضاً إحداث نظام رقمي لمراقبة وتتبع المخزونات لضمان نجاعة أكبر في التدبير.





