
(كش بريس/فوزية رفيق)ـ أثار الحكم الصادر بحق الناشطة المغربية ابتسام لشكر، بعد اتهامها بـ”الإساءة إلى الذات الإلهية” جراء كتابتها عبارة اعتُبرت مسيئة على قميصها، جدلاً واسعاً في المغرب، أعاد إلى الواجهة النقاش المعقّد حول حدود حرية التعبير، وسلطة القضاء، وحدود المقدس في المجال العمومي.
خلفية القضية
ابتسام لشكر، المعروفة بنشاطها الحقوقي وانتقادها للسلطات الدينية والسياسية، لطالما دفعت بجرأة نحو توسيع فضاء الحريات الفردية في المغرب. غير أنّ الواقعة الأخيرة وضعتها في قلب عاصفة قضائية وإعلامية، بعدما اعتبرت النيابة العامة أن ما قامت به يدخل ضمن الأفعال المجرّمة بموجب القانون الجنائي المغربي المتعلق بالمسّ بالمقدسات.
البعد القانوني: أي حدود لحرية التعبير؟
يستند الحكم إلى نصوص قانونية تجرّم الإساءة إلى الدين أو الرموز الدينية. من الناحية الشكلية، ينسجم القرار مع مقتضيات القوانين المغربية النافذة. لكن الإشكالية تكمن في تأويل النصوص: هل كل تعبير صادم أو نقدي يدخل في خانة “الإساءة”؟ وهل القضاء يضمن التوازن بين حماية النظام العام واحترام حرية التعبير، أم أنه يرسّخ تضييقاً ممنهجاً على النقد الديني؟
البعد الديني والاجتماعي: حساسية المقدس
المجتمع المغربي، بتكوينه التاريخي والثقافي، يُظهر حساسية عالية تجاه كل ما يعتبر مساساً بالمقدسات الدينية. وهذا البعد الاجتماعي لا يمكن إنكاره. غير أنّ النقاش يتعقد حين تُوظف هذه الحساسية لشرعنة الرقابة وتكميم الأفواه. فالمقدس، وإن كان مكوّناً وجدانياً للمجتمع، لا يجب أن يتحوّل إلى أداة قانونية لشلّ النقاش العمومي أو تقييد التفكير النقدي.
البعد الحقوقي: ازدواجية المعايير
القضية تطرح سؤالاً أعمق: هل الدولة المغربية حريصة فعلاً على الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان التي صادقت عليها؟ فبينما تنص هذه المواثيق على حرية المعتقد والتعبير، نجد أن الواقع التشريعي والقضائي يكرّس تضييقاً على بعض أشكال التعبير التي تُعتبر مخالفة للسائد أو مهدِّدة لـ”النظام الرمزي” للمجتمع. هذه الازدواجية بين الانفتاح المعلن والقيود العملية تخلق فجوة ثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
أبعاد القضية في السياق السياسي
لا يمكن فصل الحكم عن المناخ السياسي العام، حيث يتزايد الميل إلى ضبط المجال العمومي والتحكم في أشكال التعبير التي تُعتبر “متمردة”. ولعل محاكمة لشكر تندرج في هذا السياق، باعتبارها رسالة ردع موجهة للفاعلين الحقوقيين والناشطين النقديين، أكثر من كونها مجرد تطبيق “محايد” للقانون.
نحو مقاربة بديلة
الجدل الذي فجّرته قضية ابتسام لشكر يكشف الحاجة إلى إعادة التفكير في العلاقة بين حرية التعبير والمقدس في المغرب. المطلوب ليس نسف المرجعيات الدينية أو تجاهل الخصوصيات الثقافية، بل تأصيل فضاء عمومي تعددي يسمح بالنقاش، ويجنّب تحويل القضاء إلى أداة قمع. فالمجتمع الذي يخشى النقد باسم المقدس، يعطّل إمكانيات تطوره المعرفي والسياسي.
إن قضية ابتسام لشكر ليست حادثة معزولة، بل هي مرآة لواقع معقد يتقاطع فيه الديني بالسياسي، والقانوني بالحقوقي. الحكم الصادر بحقها قد يرضي جزءاً من الرأي العام المحافظ، لكنه يثير في المقابل مخاوف المدافعين عن الحريات من انزلاق نحو شرعنة الرقابة المقدسة. في النهاية، يبقى السؤال الجوهري مطروحاً: كيف نوازن بين احترام المقدسات وصون حرية التعبير؟