
الفساد يسير بخطى حثيثة لاستكمال دورته ليؤكد تفوقه على كل الخطابات والقوانين والالتزامات ، والعقل السياسي فهم أن المرحلة بشروطها الداخلية والخارجية تساعد على تنفيذ المهمة بنجاح، دون أن ينتاب أصحابه اي خوف من كون الفساد يشكل خرابا للأوطان.
العقل السياسي الذي يخطط وينفذ ، غاضب ومنزعج من وجود الآليات والمؤسسات التي تساهم في الحفاظ على التوازنات بين الديناصورات والحيثان الكبرى وبقية الشعب ، ولذلك فهو مصمم على تخريب هذا التوازن وإتلاف معالم الأدوات والآليات التي تساهم في تحقيق هذا التوازن الطبيعي والاجتماعي.
ولذلك رأينا كيف تحولت الحكومة والمؤسسة التشريعية وطيف واسع من الأحزاب السياسية والبرلمانيين، إلى الضغط من أجل التشريع لفئة وحفنة من الأشخاص ، مع أن التشريع كما هو معلوم لايكون إلا من أجل تحقيق مصلحة عامة ومجتمعية فضلى.
ولم يسبق أن كان وسيلة لحماية الناس ، فئة قليلة ، من المساءلة وتضييق نطاق هذه الأخيرة، وتقنين امتياز وتمييز قانوني وقضائي لم يقل به لا الدستور ولا أي تشريع آخر ، اللهم اجتهاد ومناورة من يرى نفسه فوق المحاسبة، وينظر إلينا كرأي عام يتحتم عليه “يخوي البلاد إلى ماعجبوش الحال “لأننا مجرد جمهور مشوش لايحق ان نشكل سلطة مضادة كما هو الحال في البلدان الديمقراطية.
ويبدو أن هناك شبه إجماع على تحويل الجمعيات إلى مجرد “كومبارس ” ونزع صلاحياتها، لتصبح بدون أنياب ولا لسان، بل حتى المؤسسات الدستورية التي تمثل عقل الدولة وأدلت بدلوها في الموضوع، واعتبرت أن منع الجمعيات من التبليغ عن جرائم المال العام مخالف للدستور والقانون واتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد قيل لها “دخلي سوق راسك “، نحن البلد والبلد نحن ، ووجدت النيابة العامة نفسها مع هذا التشريع “الطائفي ” تحت رحمة الادراة وسلطتها تخضع لمشيئة الفراقشية.
إنهم يتجهون إلى تشكيل دولة فوق الدولة ويمعنون في تعميق تغول الفساد والريع وتعميم الظلم والحكرة ، ليبقى السؤال المحير من يساعد ويدعم هؤلاء على المضي دون تردد أو خوف في هذا المنحى المفتوح على مستقبل مجهول؟