
ـ من بينهم المفكر العراقي الكبير الدكتور عبد الحسين شعبان ـ
كش بريس/ مراكش – قلعة السراغنة
في حفل مهيب وبحضور عدد من الأساتذة والباحثين المشاركين في المؤتمر الدولي حول “التكنولوجيا الرقمية: صون الهويّة والثقافة الوطنية“، ووسط تفاعل وحماسة طلابية، كرّمت جامعة القاضي عيّاض خمسة مبدعين بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة (مراكش – المغرب) بالتعاون والمشاركة مع مؤسسة كش بريس الإعلامية، لدورهم المتميّز في إغناء الحركة الفكرية والثقافية على الصعيدين العربي والعالمي، ولمساهمتهم في الدفاع عن قيم الحريّة والسلام والعدالة.

والمكرّمون الخمسة هم:
- المفكّر والأكاديمي العراقي د. عبد الحسين شعبان.
- المفكّر والإعلامي السوري د. صبحي حديدي.
- المحامي البريطاني من أصول أفغانية د. مالك منصور.
- رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بأفريقيا د. حسب الله مهدي فضلة من تشاد.
- المحامي والأكاديمي المغربي د. محمد حركات.
الجدير بالذكر أن المؤتمر الذي انعقد في الجامعة ما بين 21 – 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2025، وشارك فيه نخبة من الخبراء والأكاديميين من المغرب وتركيا ومصر وموريتانيا وتونس وتشاد وسوريا والعراق، ونظمت على هامشه حلقات نقاشية وندوات وورش عمل وتوقيع كتب، التأم بافتتاح د. مصطفى غلمان رئيس مؤسسة كش بريس الإعلامية ومدير مركز عناية بالمغرب ود. محمد الغالي عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، تناول عددًا من المواضيع بخصوص مفهوم الحكامة الرقمية والطغيان الرقمي والقانون والذكاء الاصطناعي والتعليم والهويّة الثقافية والرقمية والإعلام والمحاماة والعدالة والتراث والخطاب الرقمي والفن والذكاء الاصطناعي وصراع المعنى في العصر الرقمي والدين والهويّة في زمن التحوّل الرقمي.

وفي سؤال وجّهناه إلى المفكّر والأكاديمي العربي د. عبد الحسين شعبان، قال بخصوص فاعليات المؤتمر: إنه لأمر مهم أن تبحث الدول العربية ودول الجنوب وعموم البلدان النامية في مخاطر استخدامات الذكاء الاصطناعي من جانب القوى المتنفّذة في العلاقات الدولية، لاسيّما تلك التي تملك مقدّرات الذكاء الاصطناعي، الذي يُعدّ ثورة حقيقية فاقت كلّ ما سبقها وكل ما سيأتي بعدها إنما هو من نتاجاتها واكتشافاتها، خصوصًا ونحن على عتبة الطور الخامس للثورة الصناعية.
وأشار شعبان إلى أن العالم خلال القرون الخمسة ونيّف المنصرمة شهد اكتشافات كبيرة ساهمت في تطوير البشرية، ولعلّ أهمها اكتشاف الطباعة والمحرّك البخاري والكهرباء والبنسلين والحمض النووي، إلّا أن الذكاء الاصطناعي هو التتويج الحقيقي لكلّ ما أنجبته البشرية، ففي ضربة زر واحدة يمكن الوصول بلحظات إلى أكثر من ثلاث مليارات إنسان، أي نحو نصف البشرية.

وفي سؤال آخر حول حيثيات الذكاء الاصطناعي قال شعبان وهو العراقي، إن فضله يعود إلى الخوارزمي الذي عاش في بغداد قبل ما يزيد عن ألف عام، وهو عالم الرياضيات ومكتشف اللوغاريتميات، إضافة إلى كونه عالم فلك وجغرافيا، ولكن الاستخدام الحديث للذكاء الاصطناعي، وعلى أساس نظرية الخوارزمي كان في بريطانيا حين تمّ فك رموز شيفرة الجيش الألماني النازي خلال الحرب العالمية الثانية على يد العالم ألين تورينغ في العام 1943، وقد تطوّر هذا الاكتشاف ليصبح بعد الكومبيوتر والحواسيب والطفرة الرقمية “الديجيتال” وثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام واتّساع وسائل التواصل الاجتماعي ليصبح ثورة كبرى صبّت فيها جميع روافد الثورات العلمية السابقة عبر تقنيات فائقة السرعة متجاوزة القدرات البشرية.
وإذا كانت ثمة مخاوف كما يقول العالم العراقي من استخدامات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية فيما يتعلّق بالحروب وتطوير الأسلحة بما فيها المحرمة دوليًا، وكذلك في الجرائم ونشر الكراهية والتعصّب ووليده التطرف بما يؤدي إلى العنف والإرهاب، فضلًا عن التلاعب بمقدرات الأمن الوطني وخصوصيات الناس وتزويرها وتشويهها بما يسبب الفوضى ويُضعف الهويّة لحساب القوى الدولية المتنفذة، أقول فإن فوائده كثيرة إذا ما جرى وضع ضوابط قانونية وأخلاقية له، على الصعيدين الداخلي والدولي، وتتجلّى هذه الفوائد العظمى في مجالات الصحة، لاسيّما في تشخيص الأمراض واكتشاف علاجات ناجعة قبل استفحالها، إضافة إلى الإنذارات المبكّرة بخصوص تغيّرات المناخ، ناهيك عن مجالات التعليم والصناعة والزراعة والتواصل بين البشر وتحسين حياتهم.

لذلك يدعو شعبان إلى إعداد مدوّنات وطنية ودولية، وإقامة تحالفات بين المستضعفين كي لا يُستغلوا من جانب المتصارعين الكبار، لاسيّما على المستوى الدولي، علمًا بأن الصراع المحموم والماراثوني بين الولايات المتحدة والصين بدأ، ولا يعرف إلّا الله أين سينتهي.
ويواصل شعبان قوله: من يمتلك مفاتيح الذكاء الاصطناعي سيسيطر على العالم، مثلما قيل في الحرب العالمية الأولى من يضع يده على النفط سيسيطر على العالم، وهو قول صحيح، لأن هذا الأخير سيكون عاملًا حاسمًا في الحرب، ويشكل مادة أساسية لوقود المركبات وبنزين الطائرات والغواصات، ويُعتبر الصراع في القرن العشرين كلّه، إنما هو صراع حول النفط ومصادر الطاقة من الإنتاج إلى الأسواق والاسعار وطُرق المواصلات وغير ذلك. وبالطبع سيكون الذكاء الاصطناعي هو المفتاح السحري في الهيمنة على العالم، حيث ستتحكّم الآلات والروبوتات بالعالم إن لم يجرِ وضع تقنينات لها، خصوصًا حين يتمّ تلقيمها بالمعلومات، إذْ عند حدوث أية أخطاء فيمكن أن تؤدي إلى فناء البشرية أو تدمير قسمها الأكبر وترك العالم في خراب كامل خلال فترة قصيرة، لهذه الأسباب فهو يدعو إلى إحداث توافق دولي وتفاهم أممي يكون فيه لدول الجنوب صوتًا لا ينبغي تجاهله.
وقد اختتم شعبان محاضرته التي ألقاها في المؤتمر بالتحذير من الاستهانة بهذا التطوّر العاصف، والذي يفوق حدود التصوّر البشري، حيث ستتحكّم بنا وتسيطر على عقولنا وتتزوج نسائنا أو تتزوج رجالنا، كما تقول ناشطات نسويات، إن لم يتم أنسنة الذكاء الاصطناعي، بحيث يحترم حق الحياة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والحيلولة دون توظيفه بالضدّ من ذلك، وإلّا فإن الكارثة ستحصد كلّ شيء في طريقها ويكون الذكاء الاصطناعي عامل هدم بدلًا من كونه عامل بناء وتنمية وعمران وتقدم وخير وعدل.

وأكّد شعبان إلى أن المؤتمر اتّخذ طائفة من القرارات والتوصيات فيما يتعلّق بوضع ميثاق وطني لحماية الهويّة الثقافية رقميًا، خصوصًا حماية اللغات الوطنية والذاكرة المشتركة والرموز المتميّزة، الأمر الذي يقتضي إدماج التربية والتعليم والجامعات في عملية التفكير النقدي والمعرفة النقدية القادرة على مواكبة التحولات الرقمية، وإصلاح الإعلام وإدماجه بالذكاء الاصطناعي كأداة للتدقيق والتحليل والتربية على المواطنة، وكلّ ما من شأنه إحداث وعي جديد وتكوين ثقافة تكنولوجية متينة وعقلانية وهدفها خدمة الإنسان.



