
ـ رأي يستحق النقاش والتأمل ـ
بداية أريد أن أقول أن انتقادي لهذه الجماعة، لايعني اصطفافي مع الاحتلال المجرم، ولمن يشك في ذلك، أحيله لتدوينة أول أمس فقط.
انتقادي لهذه الجماعة، وضحت أسبابه أكثر من مرة، لكن بعد خروج الناطق الرسمي، محملا المسؤولية للجميع، دفعني لأكتب هذا الرأي، والغرض منه تحصين الشباب، من تأثير الخطابات العاطفية، على رؤية الأخطاء، والنقد الذاتي، والتحليل العقلي والمنطقي.
بداية هل من حق حماس أن تتواجد كحزب سياسي أو جماعة مقاومة أو عمق وامتداد شعبي…؟
الجواب: نعم من حقها كل ذلك.
ولكن إذا اتخذت قرارا فهي وحدها المسؤولة عن نتائجه، لا نعرف حركة مقاومة في تاريخنا، ولا جماعة مسلحة معارضة للأنظمة والحكومات، ولا جماعة إرهابية، ولا أي تنظيم، اختار طريق السلاح، وزعم بأن طريقته هي وحدها الحل، وأنه منصور من رب العالمين، لايضره من خذله، وأن النصر صبر ساعة…. ثم بعد مدة، يوجه اللوم لمن لم ينخرطوا معه في معركته او في مشروعه منذ البداية. بل يتهم أمة كلها. هذا أمر غريب فعلا. لم تفعل كل حركات المقاومة والجماعات المسلحة في التاريخ المعاصر.
الأغرب من هذا أن هذه الجماعات المسلحة، طرحت نفسها كبديل منذ ظهورها قبل بضعة عقود، فهي جاءت لتقول إن المسار الذي تسير فه الأنظمة الحاكمة، والأحزاب والجماعات التي اختارت طريق السياسة، والشيوخ والدعاة الذين اختاروا طريق التعليم والتصفية والتربية…. كل هذا لم يعط أية نتيجة، والحل كما تقول هذه الجماعات: هو ما سنقدمه نحن، إن طريق العمالة والخيانة والانبطاح والتمييع والخوف والجبن والتخلي والتراجع والتولي يوم الزحف، هو طريق الجبناء، وطريق الذين استحبوا الحياة الدنيا، وأعطوا الدنية في دينهم… لذلك فإننا سنخوض هذه المعارك لوحدنا، ابقوا بعيدين وتفرجوا على ما سنحققه بمفردنا، صحيح نحن قليلون ضعيفون ليس لدينا نفس القوة التي عند عدونا، لكن نحن معنا الله، وعندنا اليقين الذي ليس عندكم، والإيمان الذي ليس معكم، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة… سنعطيكم دروسا في البطولة والشجاعة والرجولة والقوة والصلابة والإيمان والتوكل واليقين والإقدام والاستبسال والتوكل على الله وحده…
هذا لسان كل الجماعات المسلحة بل لسان مقالها، وهي تخاطب أمتها.
نعم أكرر، من حقها أن تؤمن هذا الإيمان القوي، وأن تنتقد الأمة جمعاء، بحكوماتها وأحزابها وحركاتها السلمية والسياسية، وشيوخها ومفكريها وعامتها…
من حقها أن ترى أن رؤيتها أفضل، وأن استراتيجيتها أجدى، وأن تتخذ مسارا آخر.
ولكن الأغرب كما قلت، هو عندما تصطدم بالحائط، أول شيء تفعله، هو مهاجمة الذين سبق لها أن هاجمتهم، وتخوين من سبق لها أن خونتهم، واتهام من سبق لها أن اتهمتهم.
كان اللوم سيكون مفهوما، لو أن الأمة انخرطت مع هذه الجماعات في حربها، ثم تخلت عنها في منتصف الطريق. هذه ستكون خيانة وتراجع وتولي…. ولكن أن تلوم من كنت تعتبره خائنا منذ عقود، وتتهم من كنت تراه عميلا أو منبطحا أو مميعا… فهذا والله أمر ينقضي منه العجب.
إن ما دفع كل هؤلاء الذين تلومهم وتنتقدهم، أن لاينخرطوا في هذا المسار، هو أن بعضهم انخرط فيه قبلك، وبعضهم اقتنع بأن مصيره سيكون كهذا المصير الذي تعيشه، الناس خائفة وتعلم أنها إذا خاضت حربا كهذه فإنها ستحارب نصف العالم على الأقل وليس إسراىيل وحدها، وأن الدمار والخراب والجوع والإبادة والحصار سيحل بشعوب المنطقة، أخبروك بذلك بأكثر من طريقة، لكنك كنت متأكدا أن تجربتك ستكون مختلفة عنهم، لأن الله معك، وهم لم يكن معهم، وسينصرك، وهم وكلهم لأنفسهم، فلماذا تلومهم بعد أن نبهوك وحذروك، وقالوا لك لا طاقة لنا بهذا.
عندما كنت انتقد ما قامت به حماس منذ البداية، (كنت أرى هذه المشاهد التي تحدث في غزة، توقعت الانتقام الهمجي من جيش لاوجود للأخلاق في قاموسه) منذ أول يوم والناس في نشوتهم يرون مافعلته هذه الجماعة، نصرا مؤزرا سيعيد القدس ويحرر فلسطين، ويطلق الاسرى.
كانوا يعلنون بكل سذاجة سياسية، أن مافعلته حماس، في يوم واحد ، لم تفعله كل الجيوش طوال تاريخها، معتقدين أن إسرائيل لن ترد، وربط بعضهم بين الحادثة وبين تنبؤات بعض المشعوذين، واتبع آخرون تحليلات بعض المهرجين، مروجين أن إسرىيل تعيش مشاكل داخلية، وحروبا أهلية وانهيارا وهروبا للسكان خارج البلاد… كنت أستغرب من هذه النظرة الطفولية العاطفية، التي ليس فيها مسكة تفكير، ولا رائحة تحليل، ولا لمسة منطق.
أنا لست ضد المقاومة، لكن ما قامت به حماس لا علاقة له بالمقاومة، ارجعوا اقرؤوا عن نماذج المقاومة في المغرب والجزائر وليبيا… ستجدون أنه لاعلاقة بين هذا وذاك، لا في التفكير ولا في الأساليب والطرق ولا من ناحية أرض المعرك، ولا الخطط ولا المرونة…
المقاومة أولا هي مناوشة، وليست حربا شاملة.
المقاومة هي خط رفيع، لاتكون فيه في حالة سلم مع العدو، ولا في حالة حرب شاملة مدمرة، هي عمليات استنزاف لكن في ظروف طبيعية، عملية استنزاف طويلة الأمد.
لايمكنك أن تحسم معركة التحرير مع دولة نووية مدعومة من كل الدول العظمى، لايمكن أن تحسمها، بضربة خاطفة مستفزة، ضربة استعراضية موثقة بالفيديو، قمت بتوثيقها أنت لتدينك، وتظهرك أمام العالم انك تقوم بخطف الأطفال والعجائز، وتهاجم شبانا يرقصون… هذه الأفلام الاستعراضية، تصلح لرفع المشاهدات، لجلب المتابعين، للحصول على اللايكات… لإلهاب المشاعر، لزيادة الأدرينالين… لكنها ليست مقاومة.
المقاومة غرضها أن تستنزف عدوك في صمت، وتحافظ على صورتك كمستضعف مظلوم.
لا العكس، لا أن تظهر كقوة ضاربة، عندها الصواريخ وتستطيع أن تضرب جوا وبحرا، وتخترق الحواجز والحدود، وتخبىء ترسانة في شبكة أنفاق مخيفة، وتصرح بأن إيران وراءك، وأنها تدعمك؟؟؟؟؟
تعطي كل هذه الأسلحة لعدوك، ليظهر أمام العالم بأنه مهدد في وجوده من جماعة إرهابية خطيرة، تقتل الاطفال، وتختطف العجائز، وتقطع الرؤوس وتحرق الجثث… أنت الذي أعطيت لعدوك مايظهر به أمام العالم مظلوما مستضعفا مستهدفا في وجوده. رغم انه في الحقيقة يفوقك عدة وعتادا آلاف المرات، لكنه أكثر ذكاء ودهاء منك، ويعرف كيف يدير حروبه.
المقاومة لم تكن عبر التاريخ، فيهما هوليوديا، غرضه إبهار الأتباع.
الأتباع أنت تضمنهم، سواء فعلت ام لم تفعل، كان عليك التفكير، كيف تضمن المخالفين، أو على الأقل كيف تقوم بتحييدهم.
لا أفهم كيف لحركة يزعم مناصروها انها على قدر من الذكاء والدهاء والقدرة والتجربة والسياسة والفطنة والحنكة… كيف أنها لم تتوقع أن الأمة لن تنخرط معها في المعركة، وأنها عاجزة لا تستطيع. ؟
كيف لم تتوقع هذه الحركة الثاقبة النظر، ردة الفعل الإسرائيلية.؟
كيف لم تتوقع دعم أمريكا واوروبا لها بالسلاح؟؟
إذا كان كل هذا غير مستحضر في خطتها، فهي حركة بليدة غبية مراهقة، لاتستحق أن تقود حربا ولا سلما، أما إذا كانت تتوقع ذلك كله، وراهنت على النصر الإلهي، فهنا من جهة ليس من حقها أن تلوم الأمة والحكومات والعلماء والأحزاب… ومن جهة أخرى عليها أن تتعلم دينها، لكي تعرف شروط النصر الإلهي.
في الحقيقة راهنت الحركة على الأمة كلها، ففي كلمة الضيف الاولى، طلب من سكان غزة والفضة وشعوب الدول المحيطة كمصر وسوريا ولبنان والاردن، أن ينضموا للطوفان حاملين معهم مايستطيعون من أسلحة حتى لو كانت سكين مطبخ أو فأسا أو مجرفة… ويخترقوا حدود بلادهم بالقوة، ويدخلوا إسرائيل، راهنت الحركة على الجماعات الإسلامية خاصة المسلحة في دول الجوار، ولهذا أطلقوا اسم الطوفان على عمليتهم، كانوا يظنون أنهم سيتسببون بطوفان ينطلق من الأمة كلها باتجاه إسرائيل فيغرقها.
وهذا تفكير ساذج، لايليق بقائد يصوره اتباعه على أنه عبقري.
كيف تراهن على شيء لاتضمنه؟
كيف تراهن على شريك، لاتعرف الإكراهات والظروف التي عنده؟
ما هو التصور العملي، وكيف هو التنزيل الواقعي، لتحرك شعوب المنطقة. وهل ستتقاتل مع جيوش بلادها؟؟
هل أعددت خطة، لمواجهة الطيران الإسرائيلي الذي سيضرب جحافل الناس المتدفقين عبر الحدود، أم كان الضيف يتخيل أن اسراىيل ستبقى مكتوفة الأيدي؟؟
إن ماسيحدث إذا اجتاحت شعوب مصر والاردن وسوريا ولبنان الحدود، أن الطيران سيتحرك بسرعة، ويقصف هذا الفيضان البشري، بكل انواع القنابل، بل ستتحرك كل طائرات أمريكا وأوروبا، ولانعرف اي نوع من الأسلحة سيستخدمون، لكننا نعرف أن الناتو عندما تدخل بطائراته لقصف أنصار القذافي، ماذا كانت النتيجة.
فهل محمد الضيف وهو يحرض شعوب المنطقة على الانخراط في طوفانه، بسكاكين المطبخ والشوك والملاعق، لم يكن يعرف هذا، أم ماذا كان يريد بالضبط؟؟
سأكتفي بهذا القدر من الانتقادات، رغم أن مؤاخذاتي وملاحظاتي، ستحتاج كتابا كاملا لكي افصلها وأشرحها.
وغرضي من هذا النقد، هو التدرب على التفكير النقدي، لأنك إذا لم تتعلم كيف تفكر، دون أن تؤثر فيك الخطابات العاطفية، المدغدغة واللذيذة.
إذا لم تواجه الواقع المر كما هو، وفضلت أن تهرب منه، إلى من يوهمك بالانتصارات الزائفة، ويورطك في معارك خاسرة، ويكذب عليك بأن الله سبحانه وتعالى، سيحارب معك وينصرك، (نصر الله له شروطه وضوابطه) دون أن يعطيك ضمانات على ذلك.
الكثيرون يتخذون في حياتهم العملية، في العمل في الدراسة في السياسة في النضال… قرارات مثل قرار سبعة اكتوبر.
انا شخصيا اتخذت قرارات كهذه، كانت نتائجها كارثية، أنت أيضا اتخذت، أو ربما ستتخذ مستقبلا. أنا هنا لأقول لك تريث لا تتسرع.
إذا بقيت هكذا، فسترتكب أخطاء في حياتك، تكون نتائجها كنتائج الطوفان على أهل غزة، قد تجني على نفسك أو على مستقبلك أو اولادك او والديك، إذا لم تتعلم كيف تفكر.
هذا هو غرضي الوحيد من مخاطبتي لك بمثل هذا المقال، فإذا اقتنعت به فهنيئا لك، فقد اختصرت على نفسك مسارا طويلا من التفكير الخاطىء والتجارب الفاشلة، أما إذا كنت تظن أنني أحارب الحق وأنني أدافع عن الاحتلال، وأتلقى راتبا من الماسوصهيوصليبعلمدخلية، فاضرب رأسك مع أقرب حائط، اعتبرني كما تشاء، وانظر لي كما تريد.