
في الغالب، يميل المسؤول السياسي إلى التبرم من المتابعة الاعلامية النقدية، أو الاستقصائية ، التي تفضح عيوب تدبيره، ومساوىء قراراته. تماما ، كما الحال بالنسبة للصحفي الذي يكره مقاضاة المسؤول السياسي له، بدافع فضح كذبه عليه ، و دفاعا عن كرامته، ورغبة في تبرئة ذمته.
والحقيقة أنه وعملا بالمبدا المقرر لربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن كلا طرفي المعادلة يتحمل مسؤولية تتطلب المحاسبة: المسؤول السياسي مسؤول عن قراراته وتدبيره ، والكاتب الصحفي مسؤول عن إخباره وتعاليقه.
إن المسؤول السياسي الذي توجه إليه المنابر الإعلامية تهما بالفساد السياسي ، أو تطعن في أهليته الاخلاقية ، من حيث النزاهة والاستقامة الضرورية ، لممارسة مهمته السياسية، ولا يلتجئ إلى القضاء ، فذلك يعني أنه يسلم بصحة ماهو منسوب إليه، وبالتالي ، ينبغي ترتيب النتائج اللازمة على ذلك من قبله، إما بالاستقالة أو الاقالة.
كما أن المسؤول السياسي الذي يلتجى إلى القضاء على إثر خبر أو مقال ، يقدر أنه مسيء للسمعة، فإنه ينبغي اعتبار صنيعه هذا ، نوعا من احترام الصحافة ، فضلا عن احترام نفسه ومهامه، على عكس المسؤول الذي تقول فيه الصحافة ماتقول ، من أخبار سيئة، وتورد بشأنه ماتورد من تهم ثقيلة، ومع ذلك لايحرك ساكنا، ولايرد عليها ، ولو ببيان حقيقة، فهذا شخص ليس جديرا بتحمل المسؤولية، ولاهو في مستوى ما تتطلبه الحياةالسياسية من وضوح وشفافية.
على أن المسؤول السياسي، وهو يلتجى إلى القضاء لمقاضاة من يعتبره أساء إلى سمعته ، أو نسب إليه فرية ليست من صنيعته، عليه أن لايكون دافعه الى ذلك الانتقام أو التنكيل ، بل ، كشف الحقيقة، ولاشيء غيرها، ولذلك إذا اعتذر الصحفي وغيره ، عما قال في المسؤول بأي شكل أو سبيل ، فذلك بالنسبة إليه صك تبرئة ينبغي أن يرحب به، ويطوي على إثره، صفحة مقاضاة من قاضاه.
وهكذا، يتم تخليق الحياة السياسية والاعلامية، بأن تظهر الحقيقة، إما بمقرر قضائي مدينا لاحد الطرفين، أو نقد ذاتي يضع حدا للغموض والاتهام الجزافي، وهو مايدفع السياسي إلى استحضار الرقابة الاعلامية في قراراته ضمن ماينبغي استحضاره، ويستحضر الصحفي احتمال المحاكمة القضائية، إن هو زاغ في الإخبار أو التعليق.
ومن جهة أخرى، فإن متابعة أي شخص، سواء كان صحفيا أو مدونا، أو غير ذلك، ينبغي أن لاتخرج عن مقتضيات مدونة الصحافة والنشر، مادام أن الأمر يتعلق بنشر على دعامة ورقية أو إلكترونية كيفما كان نوعها، ومادام أن الفعل المشتبه في كونه جريمة ، يوجد ما يجرمه في هذا القانون، من منطلق إعمال النص الأصلح للمتهم، وتقديم النص الخاص على العام. ودليل ذلك المادة 72من مدونة الصحافة والنشر، التي جاءت بصيغة عامة، تشمل تجريم كل من قام بسوء نية، بنشر أو نقل خبر زائف أو ادعاات أو وقائع غير صحيحة… بواسطة المكتوبات أو المطبوعات…أو بواسطة مختلف وسائل الاعلام السمعية أو البصرية أو الإلكترونية، وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية. وهي المادة التي تحيل عليها المواد 81و 82 و 84و 85، والتي تتعلق بأصناف الهيئات والاشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا جريمة القذف…
إن من شأن تتبع الصحافة وغيرها من وسائل النشر للفاعل السياسي بشكل مسؤول ، أن تجعله أكثر يقظة، وحرصا على احترام القانون، كما أن مقاضاة الصحفي أو أي ناشر للخبر، أمام القضاء ، يجعله أكثر تحريا للحقيقة ، وبعدا عن المجازفة بنشر الاخبار الزائفة ، وهو مايخدم في النهاية التطور الدمقراطي للبلاد على صعيدالممارسة السياسية والاعلامية.