‏آخر المستجداتلحظة تفكير

مصطفى المنوزي ـ التوتر بين الأجهزة الأمنية: تنافس مواقع أم صراع سرديات أم تنازع شرعيات؟

لسنا مضطرين للإنبهار أو الاستفهام حول خلفيات تسريبات جبروت وحياكة العنكبوت ؛ فمن العادي جدا أن تعرف كل وحدة تناقضات ثانوية ؛ تتنافس داخلها الأجهزة أو تتصارع حسب السياق أو تتنافس على المواقع ؛ فكثيرًا ما يُقرأ التوتر بين الأجهزة الأمنية على أنه مجرد ارتباط وظيفي أو تضارب اختصاصات. غير أن التجربة تُظهر أن الأمر أعقد بكثير: فهو يتراوح بين تنافس المواقع، وصراع السرديات، وأحيانًا تنازع الشرعيات.

  1. تنافس المواقع
    يبدأ التوتر عادة من داخل البنية المؤسساتية نفسها: صراع حول من يمتلك المبادرة، من يحتكر المعلومة، ومن يحدد أولويات التدخل. هو إذن سباق نفوذ لا يخلو من محاولات توسيع المجال على حساب الآخر.
  2. صراع السرديات
    كل جهاز يبني حول نفسه رواية تشرعن وجوده: حامي الدولة، حارس المواطن، أو رمز الاحترافية والتحديث. هذه السرديات قد تتعايش حين يكون التنسيق قويًا، لكنها تتحول إلى أدوات تنازع رمزي حين يبحث كل طرف عن ترسيم شرعيته الخاصة.
  3. تنازع الشرعيات
    الأخطر حين تتعدد منابع الشرعية: بين القانون والدستور، وبين الولاء السياسي وموازين القوة، وبين النجاعة الميدانية. هنا يصبح السؤال وجوديًا: من يمثل الدولة في صورتها الأمنية؟ ومن يحتكر سلطة العنف المشروع؟
  4. العقل الأمني وحتمية القرار الموحد
    رغم هذا التشظي، يظل العقل الأمني هو الحَكَم الخفي:
    يسمح بالتنافس طالما يظل مضبوطًا.
    يتسامح مع تعدد السرديات ما دامت لا تهدد الهيبة.
    يقرّ بتعدد الشرعيات لكنه يردّها جميعًا إلى شرعية الدولة الأم.
    في النهاية، لا يَسمح العقل الأمني إلا بخلاصة واحدة: وحدة مصدر القرار. فهي الضمانة لاستمرار التراتبية، ولتجنب انزلاق التوتر إلى فوضى داخلي ؛ ففي زمن الانتظارية الذي يسبق أي انتقال – سياسيًا كان أو استراتيجيًا – تبدو وحدة القرار الأمني بمثابة صمام أمان. إنها القاعدة التي تُبقي التوترات في حدودها الوظيفية، وتحول دون تحولها إلى تصدع في الشرعية أو في هيبة الدولة. ليظل السؤال المطروح إذن: هل تكفي وحدة القرار لضبط الحاضر، أم أنها تحتاج إلى حوكمة أمنية جديدة تواكب التحولات وتُهيئ لعبور آمن نحو المستقبل؟
    من هنا يحضر مطلبنا الإستراتيجي : متى سيتم تنصيب المجلس الأعلى للأمن وفق ما ينص عليه الفصل 54 من الدستور ؟ ، ومتى سيهتم القرار الحزبي بالشأن الأمني ويحرره من نزعة الاحتكار كمجال محفوظ ؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button