‏آخر المستجداتالمجتمع

ممرّضو التخدير يخرجون عن صمتهم: 60 عامًا من الغموض القانوني!

(كش بريس/التحرير)ـ في سياق اليوم العالمي للتخدير، وجّهت الجمعية المغربية للتخدير والإنعاش وجمعية الجنوب لممرضي التخدير والإنعاش رسالة دقيقة المضمون وعميقة الدلالة إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، تعكس حجم الاحتقان المهني الذي يعيشه هذا القطاع الحيوي، وسط مفارقة بين تطور المنظومة الصحية الوطنية من جهة، واستمرار جمود الإطار القانوني المنظم لمهنة ممرضي التخدير والإنعاش منذ سنة 1960 من جهة أخرى.

هذه المراسلة جاءت لتعيد طرح سؤال العدالة المهنية داخل المنظومة الصحية، وتكشف في الآن ذاته عن الهوة التشريعية التي ما تزال تفصل بين النصوص القانونية وبين الممارسة الواقعية داخل المؤسسات الصحية. فبالرغم من الحركية التشريعية التي شهدها القطاع خلال العقدين الأخيرين، ما تزال هذه الفئة تمارس مهامها داخل منطقة رمادية قانونيًا، خاضعة لتقديرات إدارية أو طبية ظرفية، في غياب تحديد واضح للمسؤوليات والاختصاصات.

لقد أحصت الجمعيتان المتراسلَتان جملة من النصوص القانونية والتنظيمية، من مرسوم 1960 إلى مذكرة 2022، لتخلصا إلى أن تراكم المرجعيات القانونية لم يُنتج إصلاحًا تشريعيًا جوهريًا، بل كرّس نوعًا من التوازن الشكلي الذي لا يحسم في طبيعة المهام ولا في المسؤوليات. وهو ما يجعل ممرضي التخدير في وضعية قانونية هشّة، خصوصًا عند التعامل مع الحالات الاستعجالية، حيث يتحملون عمليًا أعباءً جسيمة دون حماية قانونية كافية.

ويكتسي البعد القانوني للمراسلة أهمية خاصة؛ إذ تُبرز الجمعيتان القاعدتين اللتين رسّختهما النصوص والاجتهادات القضائية:

الأولى: أن العمليات الجراحية لا تُجرى إلا بحضور فعلي لطبيب التخدير والإنعاش.

الثانية: إمكانية تدخل الممرضين في الحالات الاستعجالية المؤقتة عند غياب الطبيب، وهو الاستثناء الذي يفتح الباب أمام إشكالات قانونية ومهنية معقدة، قد تنقلب على الممرضين أنفسهم بتبعات جنائية مباشرة، رغم كونهم يؤدّون عملاً إنقاذيًا في ظرفية قاهرة.

وفي هذا الإطار، قدّمت الجمعيتان مقترحات ذات طابع مؤسساتي وعملي، تروم تجاوز هذا الفراغ التشريعي عبر إرساء ضوابط واضحة للإجراءات الاستعجالية: توثيق القرارات التخديرية الاستعجالية بمطبوع وطني رسمي، وضع بروتوكول وطني محدّث بانتظام، وتوحيد ملف التخدير بما يضمن التتبع والمساءلة المهنية. كما دعتا إلى تحديد الحالات الجراحية الاستعجالية التي يُسمح فيها بالتدخل التمريضي دون طبيب التخدير، وتوعية الجراحين بمسؤولياتهم القانونية داخل الفريق الجراحي.

تكشف هذه الرسالة عن تحوّل نوعي في الخطاب النقابي والمهني؛ إذ لم يعد مطلب ممرضي التخدير مقتصرًا على تحسين ظروف العمل أو التعويضات، بل اتخذ طابعًا حقوقيًا وتنظيميًا يطالب بإعادة الاعتبار للوظيفة التمريضية ضمن هندسة العدالة الصحية. فالرسالة تمثل نداءً مؤسسًا على منطق التوازن بين سلامة المريض وحماية الممارس، بما يجعلها وثيقة ضغط مؤسسي في مسار الإصلاح الصحي الجاري بالمغرب.

كما يمكن قراءة هذا الموقف ضمن جدلية المركزية المهنية والتعدد التخصصي داخل المنظومة الصحية؛ فغياب تحديد قانوني صارم للأدوار يعكس صراعًا ضمنيًا حول توزيع السلطة الطبية والإدارية، بين الأطباء من جهة، والممرضين من جهة أخرى. وهي جدلية تتطلب من المشرّع تجاوز المقاربة الهرمية التقليدية نحو مقاربة تشاركية، تضمن استقلالية نسبية للمهن التمريضية مع احترام التراتبية القانونية والاختصاصية.

وتعكس المراسلة وعيًا مؤسساتيًا متقدّمًا بمسؤولية الفاعلين الصحيين في دعم الأوراش الملكية الكبرى، وعلى رأسها مشروع التغطية الصحية الشاملة. فهي ليست مجرد مذكرة مطلبية، بل بيان إصلاحي تركيبي يدعو إلى مواءمة التشريع مع الممارسة، وتكريس ثقافة قانونية داخل القطاع الصحي، تضمن الكرامة المهنية، وتحمي الأرواح التي تتعامل مع أكثر التخصصات دقة وخطورة في المنظومة الطبية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button