‏آخر المستجداتالمجتمع

من الإخلاء القسري إلى الحرمان من التعويض: حين تُختزل المنفعة العامة في الهدم بدل التنمية

ـ مصطفى المنوزي ـ

في تطور مثير يسلط الضوء على إشكالات الحكامة المحلية وسياسات تدبير المجال في مدينة الدار البيضاء، أصدرت عائلة الحاج علي المانوزي بلاغًا صحفيًا، نبهت فيه إلى وجود محاولة لتنفيذ قرار هدم غير قانوني يهم العمارة الكائنة بـ37 زنقة كانيبان، المدينة القديمة، رغم أن الملف لا يزال معروضًا على أنظار المحكمة الإدارية، ومطعون فيه وفق المساطر القانونية المعمول بها.
ويتعلق الأمر بقرار صادر عن رئيسة مقاطعة سيدي بليوط، تم تبريره بكون البناية “مهددة بالانهيار”، في الوقت الذي قدمت فيه العائلة تقارير خبرة قضائية تواجهية وتقنية، أنجزت بحضور ممثل عن الجماعة، تنفي بشكل قاطع وجود أي خطر داهم على الساكنة، بل وتثبت سلامة البناية من الناحية التقنية.

مرسوم المنفعة العامة… في مهب التأويل الانتقائي
ما يزيد الملف تعقيدًا هو أن المنطقة المعنية تدخل ضمن النطاق الجغرافي المشمول بالمرسوم رقم 2.21.672 الصادر في 31 غشت 2021، القاضي بتجديد إعلان المنفعة العامة قصد إعداد منطقة المحج الملكي وما يحيط بها. ويفترض قانونًا أن أي تدخل إداري أو عمراني في هذه المناطق يجب أن يخضع لمقتضيات نزع الملكية والتعويض المنصف والعادل، طبقًا لقانون 7.81.
لكن عوض تفعيل هذا الإطار القانوني المتعلق بنزع الملكية، لجأت السلطات المعنية إلى مسلك مختلف: استعمال قانون البنايات الآيلة للسقوط (القانون 94.12) لتبرير الإخلاء والهدم، متجاوزة بذلك ليس فقط مقتضيات مرسوم المنفعة العامة، بل وحتى الضمانات الدستورية المرتبطة بالحق في الملكية والتقاضي والتعويض.
تعويض مغيب ومساطر معطلة
لقد حاولت العائلة، من خلال دفاعها، سلوك كل المساطر القانونية، بدءًا من الطعن في قرار الهدم، مرورًا بطلب إجراء خبرة، وصولًا إلى مباشرة مسطرة التقييم العقاري والتجاري من طرف المحكمة الإدارية. هذا السلوك يعكس ليس فقط احترامًا للدولة القانونية، بل حرصًا على تحقيق التوازن بين حماية الأرواح وضمان الحقوق المادية والمعنوية.
لكن المقاربة التي تبنتها السلطات المحلية تفضح توجهًا مقلقًا في تدبير التهيئة الحضرية، حيث تتحول مشاريع التنمية إلى أدوات نزع قسري، وتُغيب فيها المصلحة العامة الشاملة التي يفترض أن تكون جامعة بين التطوير وضمان الحقوق، لفائدة مقاربات أمنية وتقنية ضيقة، تؤدي إلى الإجهاز على الحق في التعويض والكرامة.
حين يصبح القانون ضحية “النية الإنشائية”
إن ما يقع في ملف عمارة المانوزي ليس مجرد نزاع عقاري أو عمراني، بل هو تجسيد لصراع سرديات: سردية رسمية تدعي حماية الأرواح والبنيات التحتية، مقابل سردية حقوقية تستند إلى الخبرة والتقاضي والمصلحة العامة التشاركية.
وإذا استمرت السلطات في تنفيذ القرارات خارج مقتضيات القانون، فإنها بذلك لا تخرق فقط نصوصًا تنظيمية، بل تقوض الثقة في العدالة وفي مؤسسات الدولة، خصوصًا في ملفات تتقاطع فيها الذاكرة التاريخية (كما في اسم العمارة) بالمجال العمراني وبالحق في المدينة.
في ضوء هذه المعطيات الواقعية والمستجدات القانونية والقضائية ، تطرح قضية عمارة الحاج علي المانوزي سؤالًا جوهريًا حول مدى احترام الدولة لمقتضيات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وضمانها الفعلي لحقوق المتضررين. فالهدم دون تعويض ليس “إعدادًا للمجال”، بل إعدام لثقة المواطنين في القانون والمؤسسات.
لذا فإن التحرك الحقوقي والإعلامي المنشودين في هذه اللحظة ؛ لا يعني فقط الدفاع عن بناية، بل صون لوعد الدولة الاجتماعية التي تربط بين القانون، التنمية، والعدالة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button