‏آخر المستجدات‏المرأة وحقوق الانسان

من التعليم إلى سوق الشغل.. مؤشرات المساواة بين الجنسين في مرآة “أفروبارومتر”

(كش بريس/خاص)ـ يقدم الاستطلاع الأخير لشبكة “أفروبارومتر” صورة مركبة ودقيقة عن التحولات البطيئة والمركبة في إدراك المغاربة لمسألة المساواة بين الجنسين، وعن المسافة التي ما تزال تفصل بين الوعي الحقوقي المتنامي والواقع الاجتماعي المتجذر في أنماط الهيمنة والعنف الرمزي.

فعلى الرغم من أن 84 في المائة من المستجوبين أكدوا أن منع الفتيات من التمدرس بدعوى “أولوية تعليم الفتيان” أصبح نادراً أو منعدماً، فإن النسب المرتفعة في الأوساط القروية وذات الدخل المحدود تكشف استمرار جيوب مقاومة صلبة للتحديث الاجتماعي، حيث تتقاطع الفقر والأمية والنظرة الأبوية لتعيد إنتاج أشكال التمييز الأولى في الفضاء الأسري ذاته، قبل المدرسة وسوق العمل.

في المقابل، تكشف الأرقام المتعلقة بالتحرش والتمييز الجنسي في المدارس والفضاءات العامة عن واقع موازٍ من العنف الرمزي والمادي، يحدّ من إمكانيات النساء في تحويل مكاسب التعليم إلى تمكين فعلي في الفضاء العمومي والمهني. إذ يؤكد 27 في المائة من المستجوبين أن التلميذات يتعرضن للتمييز أو التحرش داخل المؤسسات التعليمية، بينما يرى 43 في المائة أن النساء يواجهن التحرش بشكل دائم في الشوارع والأسواق ووسائل النقل. وهي نسب تُبرز أن المدرسة، التي يفترض أن تكون فضاء للتحرر من أنساق التمييز، تتحول أحياناً إلى مرآة للثقافة الذكورية التي تشرعن الصمت والخضوع.

أما في سوق الشغل، فيتجلى الخلل البنيوي بوضوح أكبر: الرجال أكثر عرضة بأربع مرات لأن يكونوا مشتغلين بدوام كامل مقارنة بالنساء. هذا المعطى يعكس اقتصاداً غير منصف جنسياً، يرسّخ التفاوت في الدخل والتمكين، ويغذي تصورات اجتماعية تعتبر العمل الأنثوي استثناءً أو عبئاً. ويزيد من تعقيد الصورة أن 30 في المائة من الأسر ما تزال تمنع النساء من العمل المأجور، وهي نسبة ترتفع إلى 49 في المائة في صفوف الفقراء، ما يجعل الفقر لا مجرد عائق اقتصادي، بل عامل إعادة إنتاج للسلطة الأبوية ذاتها.

رغم ذلك، يظهر الاستطلاع مؤشرات واعدة للتحول الثقافي؛ إذ يؤيد ثلثا المستطلعين (65%) مبدأ المساواة في تقلد المناصب العمومية، مع ارتفاع واضح في دعم النساء لهذا الحق (82% مقابل 49% فقط من الرجال). هذا الفارق لا يُقرأ كمجرد اختلاف في الرأي، بل كدليل على أن التحول القيمي لم يكتمل بعد في البنية الذكورية للمجتمع المغربي، وأن المساواة القانونية لا تزال تبحث عن شرعية اجتماعية وثقافية أعمق.

من جهة أخرى، فإن إقرار 62% من المستجوبين بإمكانية تصديق النساء عند الإبلاغ عن التحرش أو التمييز يعكس تحولاً إيجابياً في وعي العدالة الاجتماعية، لكنه يظل ناقصاً أمام واقع 75% من المواطنين الذين يرون أن الشرطة والمحاكم لا تبذل الجهد الكافي لحماية النساء. وهنا يتبدى الخلل المؤسسي في ضمان الأمن الإنساني للنساء، إذ إن العدالة، في نظر كثيرين، لا تزال “صوتاً بطيئاً” في مواجهة “العنف اليومي السريع”.

هذه المؤشرات مجتمعة ترسم ملامح مجتمع في مفترق طرق، من جهة، هناك وعي جماعي متنامٍ بقيم المساواة والكرامة والعدالة الجندرية، تغذيه السياسات العمومية والتعليم والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن جهة ثانية، تستمر بُنى تقليدية وأبوية في مقاومة هذا التحول، متحصنة في المجال القروي والأُسري والاقتصادي.

إن مستقبل المساواة بين الجنسين في المغرب سيتوقف على قدرة الدولة على دمج البعد الثقافي في سياسات الإنصاف، وعلى تحويل خطاب المساواة من مجرد شعارات قانونية إلى بنية سلوكية داخل المدرسة وسوق العمل والبيت. فالمعركة الحقيقية ليست في سنّ القوانين فقط، بل في إعادة بناء الوعي الجماعي حول معنى العدالة الجندرية، بوصفها شرطاً من شروط التنمية الإنسانية لا مجرد مطلب نسوي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button