‏آخر المستجداتالمجتمع

من الفن إلى المنصات الرقمية.. كيف تشتعل الصراعات المغاربية عبر الكليبات

ـ الجدل حول “تاش”: هزل أم احتقار رمزي؟ ـ

سلطت مجلة جون أفريك الفرنسية أضواء إعلامية على الفيديو كليب لأغنية “تاش” للفنان المغربي دراغانوف، الذي أثار ضجة واسعة في الجزائر إثر ظهور الفنان الجزائري محمد خسّاني فيه. هذه الحالة لم تكن مجرد جدل فني، بل كشفت عن تقاطعات دقيقة بين الفن، الهوية الوطنية، والسياسة الإقليمية، وفتحت الباب أمام قراءة نقدية عميقة لطبيعة التفاعل الثقافي في المنطقة المغاربية.

مجلة جون أفريك طرحت سؤالًا جوهريًا: هل كان المغني المغربي يتعمد استفزاز الجمهور الجزائري من خلال إيحاءات بصرية، أم أن ردود الفعل المبالغ فيها على الإنترنت تعكس حساسية متأثرة بالتوترات السياسية بين البلدين؟ هذا السؤال يعكس إحدى القضايا الأساسية في نقد الثقافة الشعبية: قدرة الرموز الفنية على استدعاء قراءات متعددة ومتناقضة، حتى وإن كان محتواها بعيدًا عن أي إساءة مقصودة.

من منظور النصوص، تبدو رسالة الأغنية واضحة: الدعوة إلى رفع الراية البيضاء وإنهاء الصراعات، مع إشارات إلى الهروب من ضغوط الحياة اليومية عبر السهر والكحول، وهو موضوع لا يحمل في ذاته أي إساءة مباشرة تجاه الجزائر أو المغرب. حضور موسيقى الراي في الكليب يُقرأ أيضًا باعتباره تكريمًا لتراث موسيقي مشترك، وليس محاولًة للاستحواذ الثقافي. ويزداد هذا الانطباع عندما نعلم أن دراغانوف – أو عدنان محيو – ينحدر من وجدة، مدينة حدودية تزخر بالاختلاط الثقافي بين المغرب والجزائر.

مع ذلك، الصورة البصرية كانت مركزًا للتأويلات: فقد ظهر خسّاني بشَعر “أفرو” وملابس قديمة الطراز، يؤدي رقصات هزلية، بينما ظل دراغانوف جالسًا بملامح جدية، وأحيانًا فوق كومة من الكراسي البلاستيكية. بعض المعلقين اعتبروا هذا رمزًا للهرمية والاحتقار، بل إن بعض القراءات ذهبت إلى تأويلات جنسية. إلا أن جون أفريك نبهت إلى أن هذا الأسلوب سبق أن استخدمه دراغانوف في أعمال سابقة مثل “تيكي تاكا”، وهو ما يضعف فرضية الاستفزاز المتعمد. كما أن أسلوب خسّاني يتماشى مع شخصيته الفنية القائمة على الطاقة المفرطة والهزل والرقص الساخر، وليس استهدافًا للجزائريين.

الجدل حول الكليب لا يمكن فصله عن السياق السياسي المغاربي، ولا سيما ملف الصحراء الغربية، الذي يغذي حساسيات متبادلة ويجعل أي رمز ثقافي عرضة للتأويل كرسالة سياسية. تتحول بذلك الأعمال الفنية إلى مساحات رمزية لصراع الهوية، حيث يصبح الفن والفنانون أدوات في “حرب ناعمة” غير معلنة بين البلدين، رغم أن الرسائل الأصلية غالبًا ما تكون بعيدة عن أي نوايا استفزازية.

الفن، الهويات والمنصات الرقمية

  1. الهشاشة الرمزية للفن: يوضح الجدل كيف تتحول الأعمال الفنية إلى مرآة للتوترات السياسية والاجتماعية، ويصبح أي خط بصري أو حركة راقصة مادة للتأويل الرمزي.
  2. سلطة المنصات الرقمية: الإنترنت أصبح فضاءً لتضخيم التفاصيل البصرية وتحويلها إلى رموز للنزاع الوطني أو الهوياتي، ما يضيف بعدًا جديدًا لتفسير العمل الفني بعيدًا عن نوايا صانعه.
  3. الفن كجسر للتلاقي الثقافي: رغم الضجيج، يظل الكليب مثالًا على قدرة الفن على خلق لحظات التلاقي والتبادل بين الثقافات المغاربية، بما يعكس تاريخًا طويلًا من التأثير المتبادل في الموسيقى، الأدب، والفنون البصرية.
  4. المفارقة المغاربية: عندما لا تكفي القضايا السياسية لتأجيج التوتر، تتحول الثقافة الشعبية، السياحة، والمطبخ وحتى الموضة إلى مساحات تعكس المنافسة والاحتكاك، وهو ما يوضح حجم التحدي أمام مشاريع التلاقي الثقافي في المنطقة.

كليب “تاش” يعكس أكثر من مجرد أغنية أو عمل بصري؛ إنه حالة اختبار للعلاقات الثقافية والسياسية بين المغرب والجزائر، ويبرز التحدي المستمر في فصل الفن عن التوترات الوطنية. قراءة العمل بعمق تكشف أن الفن يمكن أن يكون أداة للتفاهم والتقارب، لكنه في الوقت ذاته فضاء لتفريغ التوترات والبارانويا الجماعية، خاصة في فضاءات رقمية تتحول فيها الرموز البصرية إلى معارك هوية غير معلنة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button