‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

من خطاب الدولة إلى انتظارات الجيل الجديد

(كش بريس/خاص)ـ

جاء خطاب الملك محمد السادس في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، اليوم الجمعة، في لحظة سياسية دقيقة، تُلقي فيها احتجاجات جيل زد بظلالها على المشهد الوطني، كاشفةً عن فجوة متزايدة بين الخطاب الرسمي والنبض الاجتماعي المتصاعد.

فبينما يدعو الملك إلى تسريع وتيرة “المغرب الصاعد” وإرساء عدالة اجتماعية ومجالية شاملة، يتساءل الشباب في الشارع: أين موقعهم في هذا الصعود؟ وأين تتجلى العدالة في واقع البطالة، والغلاء، وانسداد الأفق؟

الخطاب، وإن بدا متزنًا وواقعياً في تشخيصه لأولويات التنمية، إلا أنه في عمقه يشكّل دعوة صريحة إلى استعادة الثقة المفقودة بين المؤسسات والمجتمع، وإلى إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، خصوصًا فئة الشباب التي لم تعد تنتمي إلى منطق “الانتظار الصامت”، بل إلى منطق المطالبة الجهرية بالكرامة والمشاركة والتمثيل الحقيقي.

إن تأكيد الملك على ضرورة “تعبئة كل الطاقات” و“تغيير العقليات” و“ترسيخ ثقافة النتائج”، يمكن قراءته كإشارة إلى أن الخلل لم يعد في الخطط والمشاريع فقط، بل في البنية الذهنية للنخب السياسية والإدارية التي لم تواكب تحولات المجتمع.

إن “جيل Z” بمطالبه الرقمية والرمزية، لا يطلب مجرد فرص شغل أو خدمات اجتماعية؛ بل يطالب بمعنى جديد للمواطنة، يتأسس على العدالة، الشفافية، والمحاسبة.

من هنا، يظهر أن انتظارات الشعب المغربي اليوم لا تنحصر في تحسين المعيشة فحسب، بل في تجديد العقد الاجتماعي على قاعدة الإنصاف والكرامة والمشاركة الفعلية. فالجيل الجديد لم يعد يرى نفسه ممثلاً في القنوات التقليدية: لا في الأحزاب، ولا في البرلمان، بل في فضاء رقمي مفتوح يختبر فيه وعيه واحتجاجه ومطالبه.

إن الخطاب الملكي، في بعده العميق، يمكن أن يُفهم كـ محاولة لإعادة بناء جسور الثقة مع هذا الوعي الجديد، من خلال تأكيده على العدالة المجالية والاجتماعية، وعلى ضرورة “إعطاء عناية خاصة للمناطق الهشة”، و“محاربة الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات”.

لكنّ التحدي الأكبر يبقى في قدرة الفاعلين السياسيين والمؤسسات المنتخبة على ترجمة هذه التوجيهات إلى سياسات ملموسة يشعر بها المواطن، لا أن تبقى في حدود الخطاب والمواسم السياسية.

يمكن القول إن الخطاب الملكي حمل نَفَسًا إصلاحيًا واضحًا، لكنه وضع الكرة في ملعب الفاعلين السياسيين الذين لم يعودوا يواجهون فقط اختبارات التنمية، بل اختبار الثقة والمشروعية الشعبية.

“جيل Z” كشف أن زمن الصبر الطويل قد انتهى، وأن الشرعية الجديدة تُبنى على الكفاءة والإنصات والعدالة، لا على الشعارات أو الوساطات.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button