‏آخر المستجداتأ‏حداث

من مدرسة إلى “مول” بخمس طوابق: فضيحة عقارية تهز إنزكان آيت ملول

كتب د حسن الطالب (ضمن سردياته من الهامش) ـ

المنصب السامي، مهما بدا لامعا بربطة العنق وملفاته الأنيقة، لا يجب أن يُغشينا عن الحقيقة المرة: فقد يكون وراء مسؤول أنيق نهارا، لص محترف في تزوير الوثائق ليلا، يتسكع حوله جوقة من المنتفعين المستعدين لمبايعته على كل صفقة فساد جديدة.

وإذا كان مسؤول بحجم عامل على عمالة كبرى مثل إنزكان آيت ملول، يشرف على مدينة تجارية تعج بالحركة والنقود، يتورط في قصة عقار عمومي مخصص للتعليم حُوِّل بقدرة قادر إلى مجمع تجاري، فكيف نثق في بقية المسؤولين؟ وكيف نطمئن إلى أن أبناءنا سيجدون مدرسة، لا مركزا تجاريا من خمس طوابق؟

القصة معروفة: قطعة أرضية مساحتها 4600 متر مربع مخصصة للتعليم وفق تصميم التهيئة، أي أنها محمية قانونيا، تتحول بين ليلة وضحاها، عبر مسطرة إدارية مطاطة، إلى مشروع تجاري ضخم. السؤال الساخر: أين المحافظة العقارية؟

فالمسطرة العادية لأي تغيير من هذا القبيل تمر من تصميم التهيئة → البحث العمومي → مصادقة وزارة الداخلية → نشر بالجريدة الرسمية → تحيين قاعدة بيانات المحافظة العقارية. لكن عندنا، يبدو أن هذه المسطرة تُطوى بورقة سحرية صغيرة، يوقّعها القلم الذهبي لأحد المسؤولين، فتصبح المدرسة مولا، ويصبح التعليم سلعة تُباع وتشترى.

أما الرخصة الاستثنائية ببناء خمسة طوابق بدل ثلاثة؟ فذلك مجرد “بونوس” على طريقة مطوري ألعاب الفيديو: من يُحسن اللعب بالهواتف السرية للعلاقات العائلية والإدارية، يربح دوما طابقين إضافيين!

وهنا نعود إلى سؤال أكبر: هل الإنسان العربي، كما وصفه بعض المستكشفين الأوروبيين القدامى، يحمل جينة اللصوصية بالفطرة؟ أم أن الأمر مجرد تربية على الفساد والالتفاف على القانون؟ أهو قدر بيولوجي أم صناعة اجتماعية؟ يبدو أننا لم نجب بعد عن هذا السؤال، لكن الوقائع تعلّمنا أن الفساد عندنا لا يحتاج إلى مختبر جيني، بل إلى مكتب مُكيّف وقلم أزرق و”تواطؤ صامت فقط”.

في النهاية، يخرج المسؤول المعزول من الباب الكبير، وربما يعود عبر نافذة أكبر، فلا الشجرة تكفي لتخفي الغابة، ولا الغابة نفسها قادرة على إخفاء هذا العار.

ما يثير الغثيان أكثر من القصة نفسها، هو هذا الإحساس

الجماعي بأننا نعيش في حلقة مفرغة: مسؤول يُعزل، وآخر يُعيَّن، واللعبة مستمرة بقطع غيار جديدة من نفس المصنع. فإذا كانت المدرسة تُباع وتشترى في سوق العقار، فما الذي يمنع غدًا أن نرى المستشفى يتحول إلى كازينو، أو المكتبة العمومية إلى مرأب خاص لذوي النفوذ؟

إنها ليست مجرد فضيحة محلية بإنزكان آيت ملول، بل صفعة أخرى لوجه الشفافية في بلد ما زال مواطنوه يبحثون عن مدرسة نظيفة لأولادهم، بينما يجدون أمامهم “مول” بخمس طوابق.

فهل نكتفي بفرجة ساخرة على مسلسل إعادة إنتاج الفساد، أم نقرر أخيرًا أن الشجرة التي تخفي الغابة يجب أن تُقطع من جذورها، لا أن نكتفي بجمع أوراقها المتساقطة؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button