‏آخر المستجداتالمجتمع

موجة تقاعد مرتقبة تهدد التوازن الوظيفي في المغرب

ـ نحو إعادة التفكير في تدبير رأس المال البشري العمومي ـ

(كش بريس/ التحرير)ـ يُظهر تقرير الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون مالية 2026 مؤشرات مقلقة بشأن مستقبل التوازنات داخل الإدارة العمومية المغربية، إذ يتوقع إحالة أكثر من 68 ألف موظف مدني على التقاعد ما بين عامي 2025 و2029، ما يطرح تحديات هيكلية على مستوى تدبير الكفاءات واستدامة الخدمات العمومية.

هيمنة قطاع التربية الوطنية وتحدي الخلافة المؤسسية:

يستأثر قطاع التربية الوطنية بالنصيب الأوفر من الإحالات المتوقعة، بنسبة تفوق 38% من الإجمالي، أي ما يقارب 26 ألف موظف خلال خمس سنوات. هذه الأرقام لا تعني فقط تقلصاً كمياً في عدد العاملين، بل تضع المنظومة التربوية أمام نزيف بشري في سياق إصلاحات متسارعة تستهدف جودة التعليم وتحسين نجاعة الأداء التربوي.

ففي غياب خطط دقيقة لتعويض الأطر المتقاعدة أو تأهيل الجيل الجديد من الأساتذة، قد تجد المدرسة العمومية نفسها أمام اختلال في التوازن بين الكم والكيف، مما يهدد استقرارها المؤسساتي.

ضغط هيكلي على قطاعات الأمن والصحة والعدل:

يأتي قطاع الداخلية في المرتبة الثانية بـ 15.617 متقاعداً مرتقباً، أي ما يعادل 22.8% من مجموع الإحالات، وهو رقم كبير بالنظر إلى دور القطاع في الأمن والخدمات الترابية. أما قطاع الصحة، فسيخسر نحو 6 آلاف إطار، في وقت يعيش فيه النظام الصحي المغربي على وقع إعادة الهيكلة وتوسيع الحماية الاجتماعية.

ويبدو أن العدل والمالية والتعليم العالي ليست في منأى عن هذا التحدي، إذ تسجل نسب تقاعد مرتفعة مقارنة بالحجم الإجمالي لموظفيها، ما يشير إلى شيخوخة هرم الموارد البشرية في الإدارة المغربية.

تمثيلية النساء: مفارقات وتفاوتات بنيوية:

تكشف الوثيقة عن معطى دالٍّ: 88.6% من الموظفات يتمركزن في ستة قطاعات فقط، ثلاث منها ذات طابع اجتماعي (التربية، الصحة، التعليم العالي) تستأثر وحدها بـ أكثر من 70% من النساء العاملات في القطاع العمومي.

وتبلغ نسبة النساء في وزارة الصحة 67.2%، مقابل 50.7% بوزارة العدل، ما يعكس تأنيثاً متفاوتاً حسب طبيعة القطاعات، ويؤشر على غياب توازن نوعي في توزيع الكفاءات النسائية على مختلف المجالات الإدارية.

الحاجة إلى سياسة عمومية جديدة للموارد البشرية:

إن المعطيات الرقمية، على أهميتها، تكشف في العمق اختلالاً بنيوياً في تدبير الزمن الوظيفي داخل الدولة. فموجة التقاعد المنتظرة ليست مجرد تحول ديمغرافي إداري، بل اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على تجديد الدماء في الإدارة وتوطين الكفاءات الشابة وفق منطق الاستمرارية لا الانقطاع.

إن تأهيل الإدارة المغربية في أفق العقد القادم يتطلب تحولاً استراتيجياً من تدبير تقني للأفراد إلى رؤية استشرافية لرأس المال البشري، تربط بين التوظيف، والتكوين المستمر، والتحفيز، والعدالة المجالية في توزيع الأطر. وبذلك، فإن تقرير الموارد البشرية لا يُعد مجرد وثيقة إحصائية، بل جرس إنذار سياسي وإداري يدعو إلى فتح نقاش وطني حول مستقبل الوظيفة العمومية في ظل متغيرات اقتصادية وديمغرافية متسارعة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button