‏آخر المستجداتفنون وثقافة

“همسات لمن يعتبر” : جماعات المشور الملكي، خصوصيتها وإكراهات تدبيرها

يكتبها: د. أحمد عبد الله*

لا يعرف الكثير من الناس أن هناك جماعات أفرزتها الانتخابات، لكنها جماعات بنظام خاص وتسمى “جماعات المشور”.
جماعات يسكنها رعايا صاحب الجلالة نصره الله، مواطنون عاديون يعرفون بـ”جيران الملك” ، في مدن تعرف سياحيا بالمدن الإمبراطورية ” Villes impériales “ وهي مدن الرباط و الدار البيضاء ومراكش و فاس ومكناس و تطوان.
وتحكم جماعات المشور التي تضم القصور الملكية العامرة قوانين لا تسري على بقية جماعات وأحياء المدن الأخرى، كما يحدد عدد أعضاء مجالس هده الجماعات وينتخبون طبقا للشروط المقررة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات المحلي
يمارس باشا كل جماعة من جماعات المشور الصلاحيات المسندة بمقتضى هذا القانون التنظيمي إلى رؤساء المجالس الجماعية ويؤازره مساعد، يمكن أن يفوض إليه جزءا من صلاحياته وينوب عنه إذا تغيب أو عاقه عائق.
ولا تكون مداولات جماعات المشور، أيا كان موضوعها قابلة للتنفيذ إلا بعد مصادقة وزير الداخلية أو من يفوض اليه بذلك.
دفعت حساسية المكان إلى استصدار محددات قانونية خاصة للغاية، حيث أُفرد الباب الخاص والمعنون ب «الأنظمة الخاصة»، اطارا فريدا يتفق فيه على أمر واحد وهو أن هده الجماعات، أي المشاور التي تضم قصورا ملكية، لا يسيرهما رئيس منتخب بل ممثل للسلطة. كما أنه في بعض الحالات الخاصة، والتي تثير الكثير من الجدل السياسي، يسحب هذا القانون الخاص اختصاصات واضحة لتسيير جماعات من رئيس المجلس الجماعي المنتخَب لصالح الوالي، ممثل السلطة.

أكثر من هذا، يُفرض على رئيس بعض الجماعات دات الخصوصية والحساسية القصوى أن يضع تحت تصرف الوالي كل المصالح الجماعية والإمكانيات المادية الضرورية، وفي حالة امتناعه عن القيام بذلك، جاز له ممارسة السلطة الرئاسية على الموظفين واستعمال الإمكانيات الضرورية لممارسة الاختصاصات المذكورة، بعد التماسه من الرئيس الوفاء بواجبه.
هذا على مستوى التدبير القانوني، أما فيما يخص تنزيل بعض البرامج، وندكر على سبيل المثال لا الحصر، نموذج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فأتذكر في حديث مع مسؤول سابق، ونحن نناقش إمكانية استفادة الجماعة من بعض البرامج الخاصة للمبادرة، فكان جوابه انه لا يمكن أن نقول إنه بمحيط جوار القصر الملكي وبالخصوص بجماعة المشور أن هناك فقر أو إقصاء اجتماعي وبالتالي لا يمكن الاستفادة من برامج خاصة كمحاربة الفقر أو الاقصاء الاجتماعي، ولكن سنجتهد ونجد إمكانية للاستفادة من البرنامج العرضاني ” Programme Transversal”، مع العلم أن هده اجتهادات شخصية وليست بالمؤسساتية، لأن صاحب الجلالة نصره الله يولي عناية خاصة بكل رعاياه وبكل المواطنين على حد سواء ودون تمييز.

ما شجعني على كتابة هده الهمسات، هو متابعتي عن قرب لما يجري بجماعة المشور القصبة مراكش، مجهودات كبيرة تبدل على مستوى المجلس الجماعي، إرادة سياسية حقيقية للتغيير مع بدل مجهودات جبارة من أجل الرقي والعمل على بلوغ مستوى عال من التميز والبلوغ الى صفوة الجماعات المتميزة، برمجة ومحاولة تنزيل العديد من المشاريع، التي تبقى إما حبيسة برنامج العمل المصادق عليه أو تتعثر لأسباب يجهلها منتخبي ومنتخبات الجماعة قبل أي مواطن أو مواطنة عادية. ونذكر في هذا الباب العديد من الأمثلة:

ـ تعثر برنامج الحاضرة المتجددة على مستوى الجماعة (توقف أشغال وأعمال ممر الجمال لسنوات، توقف أشغال عرصة الزنبوع، تعثر أشغال الترصيف “Pierres taillés» بالرغم من مساوئه وعدم ملائمته، توقف أشغال ترميم مسجد مولاي اليزيد، عدم إخراج ترصيف المصلى إلى الوجود مع ما لاحظناه من فوضى وصلاة المواطنين على الاتربة خلال صلاة العيد الأخيرة، إغلاق منتزه حدائق أكدال أمام المواطنين وهي المعلمة التاريخية التي كانت مفتوحة في وجه العموم مند عصور، … والأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها في هذه الهمسات.
هنا نطرح السؤال، أين يكمل الخلل؟: لماذا لا نعطي للمجلس الجماعي المنتخب كل صلاحياته من أجل تنزيل برامجه ومشاريعه على أرض الواقع؟ لماذا لانمكن المجلس الجماعي المنتخب من صلاحياته التدبيرية المباشرة ونعطي بالموازات للسيد الباشا صلاحيات المراقبة والتتبع كسلطة للوصاية ، موكول لها خلق دينامية تنموية حقيقية كما تصورها ويرعاها صاحب الجلالة نصره الله من خلال اقتراحه تنزيل المفهوم الجديد للسلطة؟، ألم يحن الوقت لمشرعينا بفتح ورش اصلاح الميثاق الجماعي وبالخصوص في هذا الباب الذي تقتضي فيه الديموقراطية أن يتمتع رعايا صاحب الجلالة بكامل مواطنيتهم وأن يتمكنوا من تدبير شؤونهم بنفسهم وتحت مسؤوليتهم و ووصاية وزارة الداخلية كما هو الشأن لباقي الجماعات الترابية وفي احترام تام لخصوصية المكان ولقدسية المؤسسة الملكية الشريفة ؟
كما نسائل المشرع والمسؤول على حد سواء، هل تنضبط هذه المقتضيات لمعايير الشفافية والمساواة والإنصاف والجودة والمبادئ الديمقراطية التي أقرها دستور 2011؟

وهل هذه المقتضيات الخاصة ستسد ذرائع المزاجية والشطط في استعمال السلطة وشخصنة القرارات أم ستفتحها على مصراعيها؟
وهل تستجيب ھذه الخصوصية في التدبير الترابي لمطالب وانتظارات رؤساء وموظفي هده الجماعات الترابية؟
وكيف يمكن لإطار قانوني تنظيمي لا يستجيب لطموحات المنتخبين المحليين أن يستجيب لطموحات المواطنين في مجال التنمية المحلية؟
ولكي لا أختم، أقول أن استمرارية العمل بهده الأنظمة الخاصة يعتبر شذوذا عن القاعدة الديموقراطية لا مبرر له، ولهذا يستوجب الاجتهاد، قيام احزابنا ومشرعينا بفتح هدا الورش الخاص لأنه حان الوقت الدي يتعين فيه إلغاء هذا الاستثناء الذي يخرج عن روح الممارسة الديمقراطية.


*باحث متخصص في التدبير الترابي

‏مقالات ذات صلة

Back to top button