
ـ كامب ديفيد على فوهة الغاز: سلام هش وابتزاز متجدد ـ
(كش بريس/التحرير)ـ نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” تقريرًا يكشف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الطاقة إيلي كوهين، بصدد إعادة النظر في اتفاق الغاز الضخم مع مصر، والذي تبلغ قيمته نحو 35 مليار دولار ويستمر حتى عام 2040، وذلك على خلفية اتهامات بوجود “انتهاكات مصرية” للملحق العسكري لاتفاقية كامب ديفيد.
من الغاز إلى السياسة: رافعة جديدة للضغط
المثير في التقرير أن إسرائيل لا تتعامل مع الاتفاق كصفقة اقتصادية فحسب، بل كسلاح ضغط سياسي. إذ تشير الصحيفة إلى أن هذه المرة الأولى التي تربط فيها تل أبيب تصدير الطاقة إلى مصر بمدى التزام القاهرة بالاتفاقات الأمنية. هذا الربط يعكس بوضوح عقلية إسرائيلية تسعى لتحويل الموارد الاقتصادية إلى أدوات ابتزاز جيوسياسي، في لحظة تشهد فيها مصر أزمة طاقة خانقة وانقطاعات متكررة للكهرباء.
“انتهاكات” كامب ديفيد: بين الحقيقة والتوظيف
الحديث عن انتهاكات مصرية للملحق العسكري ليس جديدًا. فمنذ سنوات تثار اتهامات بزيادة الانتشار العسكري المصري في سيناء بحجة مواجهة الإرهاب، وهو أمر حصل غالبًا بتنسيق غير معلن مع إسرائيل نفسها. غير أن إثارة هذا الملف الآن، بالتزامن مع صفقة الغاز، يوحي بأن المسألة ليست أمنية بقدر ما هي ورقة تفاوضية تستخدمها إسرائيل لتأمين مكاسب اقتصادية وسياسية مضاعفة.
اقتصاد الطاقة بين الحاجة والابتزاز
من الناحية الاقتصادية، تبدو مصر في موقع الطرف الأضعف. فهي تعاني من أزمة طاقة داخلية وتجد في الغاز الإسرائيلي أحد البدائل الضرورية للحفاظ على إمدادات الكهرباء والصناعة. في المقابل، تدرك إسرائيل أهمية السوق المصرية في إنعاش قطاع الطاقة لديها، خصوصًا مع تطلعها للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز نحو أوروبا. وهنا يصبح التوازن هشًّا: حاجة مصر الملحة مقابل شهية إسرائيل للهيمنة.
انعكاسات إقليمية واستراتيجية
تثير هذه التطورات أسئلة حول مستقبل التعاون الإقليمي في شرق المتوسط، خصوصًا أن إسرائيل تسعى لإحكام سيطرتها على مسارات الطاقة، سواء عبر مصر أو من خلال مشاريع مع قبرص واليونان. وإذا ما استمرت في سياسة “تسييس الغاز”، فقد يؤدي ذلك إلى توتير علاقاتها مع القاهرة ويضعف الثقة في استقرار اتفاقيات الطاقة طويلة الأمد.
نقد داخلي محتمل
كما أن هذا النهج قد يثير جدلًا داخل إسرائيل نفسها: هل من الحكمة ربط اتفاقيات اقتصادية ضخمة، تدر مليارات على الدولة والمستثمرين، بمسائل سياسية قابلة للتأويل؟ البعض قد يرى أن هذا الاستخدام المفرط لورقة الغاز سيحوّل إسرائيل من “شريك اقتصادي جذاب” إلى شريك غير موثوق يستخدم عقوده كسلاح ضغط.
ما بين اتهامات “انتهاك الملحق العسكري” واتفاق الغاز الأضخم في تاريخ إسرائيل، تكشف الخطوة الإسرائيلية عن منطق استراتيجي واضح: الطاقة ليست سلعة فحسب، بل ورقة ابتزاز سياسي. وإذا استمرت تل أبيب في هذا المسار، فقد تجد نفسها في مواجهة تناقضات خطيرة: مكاسب مالية آنية مقابل مخاطر سياسية طويلة الأمد، قد تضر حتى بعلاقاتها مع أكثر جيرانها استقرارًا منذ كامب ديفيد.