
ـ الأمانة العامة للحكومة تكشف عن تصاعد التمويلات الخارجية للجمعيات ـ
(كش بريس/التحرير)ـ
كشف الأمين العام للحكومة، محمد الحجوي، أن الجمعيات غير الحكومية في المغرب تلقت ما مجموعه 580 مليون درهم من التمويلات الأجنبية منذ مطلع سنة 2025، أي ما يعادل نحو 62 مليون دولار أمريكي، وهو رقم يعكس —بحسب المتتبعين— استمرار انخراط الفاعلين المدنيين المغاربة في شبكات التعاون الدولي، ضمن فضاء قانوني يسعى إلى الموازنة بين دعم المبادرات المدنية وضمان الشفافية المالية.
وجاءت تصريحات الحجوي خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، حيث أوضح أن 241 جمعية صرّحت بتلقيها تمويلات من الخارج، مشيراً إلى أن هذه المبالغ وُجهت إلى مجالات متعددة تشمل الأنشطة الاجتماعية والبيئية والثقافية والصحية والحقوقية والتربوية، دون الكشف عن تفاصيل دقيقة بخصوص مصادر هذه التمويلات أو توزيعها الجغرافي.
وفي السياق ذاته، أشار المسؤول الحكومي إلى تلقي الأمانة العامة 17 طلباً لجمع التبرعات من العموم، مذكّراً بأن عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات الخيرية أصبحت تخضع لمقتضيات قانون تنظيمي جديد، يهدف إلى ضبط هذا المجال وضمان توجيه الأموال نحو الأغراض المعلنة، بما يعزز الثقة في العمل المدني ويحاصر أي استعمالات مشبوهة أو غير مشروعة للأموال.
وينص قانون تأسيس الجمعيات المغربي على ضرورة التصريح الإجباري بالمساعدات الأجنبية خلال 30 يوماً من تاريخ التلقي، مع بيان مصدرها وطبيعتها، وذلك لدى مصالح الأمانة العامة للحكومة، كآلية قانونية لترسيخ الشفافية والرقابة المالية على القطاع الجمعوي.
تُبرز هذه الأرقام اتساع قاعدة الشراكات المالية بين الجمعيات المغربية والمؤسسات الدولية، مما يعكس ثقة المانحين الدوليين في النسيج الجمعوي الوطني، وفي الوقت نفسه، يسلط الضوء على تحديات المراقبة والحوكمة المالية التي تواجهها الدولة في ظل التزايد المستمر للتمويلات الخارجية.
فمن جهة، يشكل هذا التمويل رافعة ضرورية لتعزيز التنمية المحلية والمبادرات المواطِنة، خاصة في المجالات الاجتماعية والحقوقية التي تتطلب موارد ضخمة لا يمكن تغطيتها فقط من التمويل العمومي.
ومن جهة أخرى، تطرح هذه الأرقام أسئلة حول مدى التوازن بين حرية العمل الجمعوي وواجب الشفافية، خصوصاً في ظل حساسية العلاقة بين بعض التمويلات الأجنبية والأجندات السياسية أو الحقوقية العابرة للحدود.
ويأتي تصريح الحجوي في سياق وطني متسم بتعزيز منظومة الرقابة القانونية على القطاع الثالث، ضمن تصور حكومي يروم جعل الجمعيات شريكاً مؤسسياً في التنمية، لا مجرد وسيط مالي أو واجهة لمشاريع ممولة من الخارج.
إن إعلان الأمانة العامة للحكومة عن هذه المعطيات ليس مجرد رقم مالي، بل هو إشارة سياسية ومؤسساتية إلى انتقال الدولة من منطق “الترخيص والمراقبة” إلى منطق “الشفافية والتصريح”، بما يعكس نضج التجربة الجمعوية المغربية وقدرتها على التفاعل ضمن منظومة وطنية تحترم القانون وتخضع للمساءلة.
فبين متطلبات السيادة المالية وضرورات الانفتاح الدولي، يبدو أن التحدي الحقيقي يكمن في بناء نموذج وطني للتمويل المدني المستدام، يزاوج بين الاستقلالية والمسؤولية، ويضمن أن تظل الجمعيات فاعلاً حراً يخدم المجتمع، لا أداةً في يد الممول.





