
في بهو المسرح حيث تسكن العتمة وتترقب الارواح البدايات خوفا وحبا في النهايات…. ينهض الوطن من غفوته، لا بوصفه خارطة مرسومة، بل كحلم يسري في العروق، كصوت يتلعثم ثم يهدر… كفرحة ممثل/ طفل يقف وحيدا صامدا على الخشبة، تائها بين اللهو واللعب، مستنجدا بذاكرته القبلية متاملا متسائلا: هل المسرح مجرد جدار ومقاعد وستائر ؟ ام هو روح تسري في الاجسام ونور يسطع في داخلنا فيتحول نبراسا لخارطات طرق متوازية ومتقاطعة متشابكة كما هي الحياة؟ ام هو وجع جميل “بطعم المرورة اللذيذ”؟
حين يحاول المرء ان يكتب وطنه بقلبه بلغة جسده ويهمس للحاضرين :” هاكم حنجرتي رددوا بها حكايات خذلها التاريخ…ارجوكم لا تفرقوا حنجرتي اصواتا ترفع البعض على ظهورنا. اقرأوا النص جيدا ففي كل مشهد هناك شظية من جرح ينزف بالامل وصرخة ترفض الموت في الزحام على تصفيقات المهور ” .
حين تبكي الشخصية فانها تبكي الاف الوجوه التي لم تجد من يمسح دموعها …وحين تضحك فانها تكسر اسوار الايام بمعاول الحياة…
الوطن ليس مجرد كلمة في سيل لا متناهي من الجمل الرنانة مصوغة من أنسجة بالية في افواه الخطباء …
الوطن ترتيل من حروف لا تبلى في معبد الخشبة …الوطن ممثل يثقن الصمت…الوطن هو كل طفل بريء يصفق في نهاية العرض على نهاية سعيدة بينما الممثل يجفف عرقه ويواري انهياراته الداخلية….
المسرح نافذة نطل منها على شمس مغتربة نحاول عبرها ان نعيد ترتيب الغيوم فوق وفي رؤوسنا لنصلح ما تكسر الى حين اسدال الستار.
أيها الوطن،
نحن لا نطلبك في اعراس المهرجانات وقوائم الدعم والتكريمات واللقاءات …بل نرسمك على جدران المسارح المهملة، نوقظك ونوقدك حين نقف على الخشبات خفاة عراة الا من ثوب المتعة والمجد ورداءات الحقيقة.
أيها الاحبة،
كل خشبة تعتلونها هي ارض تعيدون تحريرها وفتح حدودها…كل شخصية تؤدونها هي سيرة مواطن قد لا يسمعه ولا يحس به احد. كل عرض تسقونه بعروقكم هو لحظة جديدة تذكرنا باننا هنا…نحلم…نحترق…نقاوم…لا من اجل تصفيقات عابرة…بل من اجل ان يظل هذا الوطن حاضرا فينا ومعنا…ويظل المسرح شامخا متجدرا في وطنه. فلتفتح كل الستارات التي تححب المسرحيين، لنهتف جميعا” كل عام والمسرح….” نعتذر عن هذا القطع المفاجئ الخارج عن إرادتنا.