‏آخر المستجداتلحظة تفكير

المجاهد مولاي عبد السلام الجبلي يكتب عن مرحلة الدراسة

مرحلة الدراسة (صورة المقال : مولاي عبد السلام الجبلي يستقبل تلاميذ/ات مدرسة ببيته العامر بتامصلوحت)

في 1934 أمر والدي العائلة بأخذي إلى الكُتاب، وكنا نسكن في حي سيدي أحمد السوسي، حيث يقع ضريح سيدي سليمان الجزولي، وكان الكتاب القرآني في سوق  الغاسول الذي يتوفر على ثلاثة كتاتيب قرآنية، وكان السي لحسن السوسي يتولى التدريس في هذا الكتاب وعلى يده حفظت القرآن الكريم إلى حدود سورة الرحمان. جرت العادة الاحتفاء بالأطفال الذين حفظوا القرآن الكريم إلى حدود سورة الرحمان، طافوا بي أضرحة الأولياء السبعة* على متن جواد برفقة الأهل والعائلة والتلاميذ خاصة الصغار من الكتاتيب القرآنية، والطبالة، والغياطة، وانطلق الجميع في إنشاد هذه الكلمات:

قلم الحقيقة أوجب مانقولُ

نقول صدقا تعرفه العقولُ

ومـامــحــمــد إلا رســـولٌ

رسول الله أحمد يا شفـيع

 عندما أتممت حفظ القرآن الكريم أقام والدي حفلا للعائلة والأصدقاء والطلبة وأهل الحي وتلاميذ الكتاتيب، وسلموني “اللوحة” وهي لوحة تخطط من طرف خطاط موسومة بآية قرآنية كأنها شهادة، تسلم للطفل تنويها به إذا وصل مرحلة الرحمان أو طه، أو إذا تخرج وختم القرآن. واللوحة يتسلمها أستاذ الكتاب القرآني، وأثناء الاحتفال يجلس الطفل على كرسي وسط الحفل حاملا لوحة ويبدأ المدعوون في وضع إكراميات أو مايسمى شعبيا “غرامة” على اللوحة، تُسلم للفقيه/الأستاذ الذي يجلس بجانب الطفل المحتفى به، إذ تفرغ المبالغ التي على اللوحة في حضن الفقيه ويسلم عليه المدعوون ويشركونه على عنايته بالطفل. وهكذا أقيمت ثلاثة احتفالات: الرحمان، وطه، والختم، رحم الله الفقيه الجليل لحسن السوسي وجزاه خيرا.

كنت قد انتقلت مع العائلة إلى حي قاعة بناهيض ولم أغادر الكُتاب القرآني بسوق الغاسول، إلا أن السلكة* الثانية تمت في حارة الصورة بمسجد سيدي بوحربة، الكتاب القرآني الملحق به، وعلى يد الفقيه سيدي علال المسيوي، أما السلكة الثالثة فكانت على يد الفقيه بوعزة في قاعة بناهيض ثم التحقت بجامعة بنيوسف في 1946، وكان عمري 17 سنة، كنا ندرس في حلقات حسب الأقسام الابتدائي، والثانوي الأول والثاني، والنهائي الابتدائي: 3 أقسام، والثانوي الأول: 3 أقسام، والثانوي الثاني:          3 أقسام، والنهائي: 3 أقسام، والتخرج يكون إما في الشريعة، أو الآداب. ويأخذ الدارس شهادة العالِمية عند التخرج. ومن المعروف أن جامعة ابن يوسف تأسست في العصر المرابطي، وكانت الدراسة فيها في حلقات في البداية تختم بإجازة مكتوبة من الفقيه الذي يُدرس المادة. لكن هذا النظام اتسم ببعض الارتباك، وفي بداية الأربعينيات تولى المرحوم ابن عثمان رئاسة الجامعة فوضع النظام وأُسس الإدارة وهيئة الأساتذة والأقسام، وسنوات التعليم كما شرحنا سابقا. وقد تعرض الفقيه بن عثمان لحملة ظالمة من طرف الحركة الوطنية وكتبوا على الجدران اسمه باعتباره خائنا. والواقع أن الفقيه بن عثمان كان له هدفٌ سام هو إعادة الاعتبار للجامعة اليوسفية وتنظيمها ووضع أسس تربوية وإدارية تحكمها، الأمر الذي لم يُدرك من طرف مجايليه فاعتقدوا أنه يقوم بمؤامرة ضد وحدة الحركة الوطنية في التعليم مع جامعة القرويين بفاس، مما أدى إلى إصابته بسكتة قلبية نتيجة هذه الحملة الظالمة. كان منزله في حي المواسين، وكان الجدار المقابل لمنزله يمتلئ بالكتابات المناوئة له، مما عجل -كما أشيع- بوفاته، وتولى رئاسة الجامعة بعده الأستاذ عبد القادر المسيوي، ومن طاقمه الإداري مولاي الصديق العلوي ومحمد بن المعلم وغيرهم.

كنت قد انخرطت في الحركة الوطنية قبل أن ألج جامعة ابن يوسف بعامين في 1944، وقد طردت من الجامعة بسبب مواقفي –مع جماعة من الوطنيين- حوالي 1950، وكنت الوحيد الذي صدر القرار بطرده نهائيا ومنعه من ولوج أي مدرسة أخرى سواء بمكناس أو فاس، فالتحقت بمدرسة التعليم الحرة أو التقليدية بشيشاوة بمنطقة السعيدات، وهي مدرسة داخلية لا تأتمر بأمر السلطات الاستعمارية، ودرست فيها لموسمين، وكان الأستاذ والمشرف على المدرسة يُدعى السي عبد القادر من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يدرسنا وهو على كرسي متحرك رحمه الله.

*سبعة رجال بمراكش هم: الإمام السهيلي، القاضي عياض، أبو العباس السبتي، الغزواني، يوسف بن علي، سليمان الجزولي وعبد العزيز التباع.

*السلكة هي ختم وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب مرة أولى أوثانية أو ثالثة.

مدرسة الفضيلة للبنات

تأسست مدارس الحركة الوطنية بمراكش -والمغرب ككل- بهدف تعليم صغار الذين لم ينخرطوا في التعليم الفرنسي/الأجنبي، وكانت أول مدرسة: مدرسة الحياة، كان مقرها بحي المواسين في درب اسنان، وبعد الأربعينيات بدأ تأسيس المدارس التي أشرفت عليها الحركة الوطنية وهي عديدة منها المدرسة العبدلاوية والحسنية والقصبة وغيرها. وقد انتبه الإخوة في الحركة الوطنية إلى ضرورة تعليم البنات، فتم إنشاء مدرسة الفضيلة. كانت أغلب العائلات تتخوف من تدريس بناتها وخروجهن من المنزل، إلا بعض العائلات من الأعيان الذين وافقوا على ذهاب البنات إلى المدرسة وأغلبهن تجاوزن مرحلة الطفولة، إلا أن المدارس الوطنية لم تك تحدد سنا للتعلم؛

ومن أهم العائلات المراكشية التي سمحت لبناتها بالذهاب إلى المدرسة عائلة الشرايبي، وعائلة العاصمي، وعائلة السنتيسي، وعائلة الفقيه بنعبد الرازق وغيرها.

وقد تطوع أعضاء الحركة الوطنية للتدريس فيها، منهم الراحل أحمد الشهيدي، ومن الطريف أن الأخ الشهيدي كان في حالة مرضية أو عطلة فطلب مني أن أنوب عنه ودَرّستُ فيها لمدة أسبوع إلى أن عاد من عطلته، ومن أساتذة “الفضيلة” أذكر الصديق الغراس، وعبد النبي بلعادل، وعبد القادر بناني، وهناك من قدم بها دروسا في بعض المناسبات كالأستاذ عبد الله إبراهيم. وقد تعرف على زوجته السيدة فاطمة السنتيسي في مدرسة الفضيلة. وتمتد فترة الدراسة صباحا ومساءا. وأثناء تأسيس المدرسة فكر الإخوة في من يكون مديرا ويتصف بصفات تطمئن العائلات لإرسال بناتهن للمدرسة، وقد اتفق عبد الله إبراهيم ومحمد الملاخ وعبد القادر حسن على تعيين حسن العاصمي شقيق عبد القادر حسن.

كان لمبادرة السلطان محمد الخامس بتشجيع كريمته الأميرة عائشة على إلقاء الخطابات وإظهارها كمتعلمة أثر في تشجيع العائلات على انخراط بناتهن في المدارس، وقد لعبت مدرسة الفضيلة دورا هاما في تعليم المرأة بمراكش والنواحي والآفاق.  

  • م.الصديق العلوي: خريج ابن يوسف شاعر وأديب وله ديوان مطبوع مع مخطوطات لم تصدر بعد ، وكان دبلوماسيا وصديقا حميما للراحل امحمد بوستة، توفي مولاي الصديق العلوي سنة 2014.
  • أحمد الشهيدي: من أعضاء الحركة الوطنية بمراكش، مارس الصحافة، وكان شاعرا، تولى القضاء وكان رئيسا للمحكمة بمراكش وبني ملال، تزوج أرملة الراحل الشهيد محمد الزرقطوني.
  •  محمد بن المعلم: أديب ومثقف موسوعي، كان مديرا للخزانة والمكتبة الجهوية بمراكش.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button