‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د نور الدين العوفي: سلاح السيادة

في بعض الحالات “الواقعية” تُفْضي إلى “الوقوعية”. الخبر التالي مثال من بين أمثلة. اجتمعت الحكومة اللبنانية لتناقش “ورقة” توماس براك، المبعوث السامي الأمريكي، التي يطالب فيها الدولة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة. وافقت الحكومة على الورقة بحذافيرها، باسم “الواقعية”. ورقة وضعتها دولة أجنبية لمصلحة دولة أجنبية أخرى، فيها اشتراطات، إكراهات، وإملاءات. يسمونها “واقعية”، وهي في الحقيقة “وقوعية”، أي تسليمٌ مُذِلٌّ بواقع الاحتلال.

لبنان يوجد تحت تهديد الكيان الصهيوني، منذ أن كان، حتى قبل نشوء المقاومة، لا لشيء سوى لأنه يقع على تخوم فلسطين المحتلة، ولأن خطة التمدد على الأرض العربية من النيل إلى الفرات تبدأ من أراضيه.

ينص اتفاق 27 نوفمبر 2024 على وقف العدوان الصهيوني، والانسحاب الكامل من “النقط” المحتلة جنوب البلاد، مقابل تراجع حزب الله بسلاحه شمالاً إلى ما وراء نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني مكانه. بعد مضي أزيد من 8 أشهر على الاتفاق لا يزال الاحتلال جاثما، والاعتداء المتواصل سافراً. الجيش اللبناني لا يمتلك القدرة على ردع الاحتلال. لا يمتلك، ولن يُسْمَحَ له بالامتلاك. والدولة التي بلا سلاح هي دولة بلا سيادة، أي بلا مشروعية، وبلا شرعية. جاء في كلمة للشهيد حسن نصر الله: “عندما تصبحون دولة تعالوا وطالبونا بألا نكون دولة في داخل الدولة. الدولة التي تسمح باجتياح لبنان واحتلال عاصمته ليست دولة. الدولة التي لم تفعل شيئاً لاستعادة الارض اللبنانية المحتلة ليست دولة. الدولة التي لا تستطيع بسط سلطتها كما يقال على كل أراضيها إلا بمساعدة عدوها وقتل شعبها ليست دولة. الدولة التي تتواطأ، تتواطأ على شعبها وعلى أهلها وعلى أشرف مقاومة في بلدها ليست دولة.”

تاريخياً، تنشأ المقاومة عندما تكون الدولة عاجزة، عسكرياً، أو مستنكفة عن حماية الوطن، تنشأ لأنها فرض عين، ولأن القانون الدولي يمنحها الحق في اجتراح “كل الوسائل المتاحة” . سلاح المقاومة يُمْسي، في مثل هذه الشروط، سلاحاً للسيادة الوطنية، ولتحرير الأرض. خاضت المقاومة اللبنانية معارك بطولية مع العدو (2000، 2006، 2023)، خاضتها بالقدرة الذاتية التي تمكنت من بنائها تحت نيران العدو. وانتصرت فيها ب “النقاط”، نقاط اضطرت الكيان ومن معه إلى أن يضربوا لها ألف حساب. الحرب بين العرب والكيان الصهيوني “حرب دائمة”، وهي حتمية، لن يوقفها تطبيع، ولا سلام. والحرب الدائمة (بمفهوم كانط) تستدعي “الاستعداد الدائم” لها. ليس بمقدور الجيوش النظامية العربية، قاطبة، الحسم لوحدها في المواجهة التاريخية، فالكيان مانِعتُه حصونُه المنتشرة في أرجاء العالم. الاستراتيجية الدفاعية العربية تستدعي، من ثمَّ، تصويباً للخيارات، و رسم معادلات بديلة، منها معادلة “الشعب، الجيش، المقاومة” التي يسعى الكيان إلى فضِّها في لبنان. أقول معادلة، هي بالأحرى فرضية، من بين فرضيات، ثبُتَتْ صحتها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button