
ـ مراكش بين البريق السياحي وتحديات البنية التحتية ـ
تعتبر مراكش واحدة من أبرز المدن السياحية في المغرب، تشتهر بأسواقها التقليدية وأسوارها العتيقة وجاذبيتها الثقافية التي تجذب ملايين الزوار سنويًا. ومع ذلك، يواجه سكان المدينة وزوارها على حد سواء واقعًا صادمًا يتمثل في تراجع ملموس للخدمات العمومية، وتدهور خطير للبنية التحتية، وانحدار مستوى النظافة في شوارع وأحياء المدينة.
تراجع الخدمات العمومية
يشكو المواطن المراكشي من ضعف الخدمات الأساسية التي يفترض أن توفرها مصالح المجلس الجماعي، بدءًا من النقل العمومي وصولًا إلى الصيانة الدورية للشوارع والإنارة العمومية، وبطء الاستجابة للشكاوى المرتبطة بالخدمات البلدية، يعكس خللاً واضحًا في آليات التدبير العمومي وضعف القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للسكان.
تدهور البنية التحتية وكثرة الحفر
أصبح مظهر الشوارع في مراكش مثار انتقاد واسع، إذ تنتشر الحفر والمطبات غير المرخصة التي تشكل خطرًا على المركبات والمشاة على حد سواء. يعود هذا التدهور جزئيًا إلى سوء التخطيط وتداخل الاختصاصات بين الإدارات، مما يخلق فوضى في تنفيذ المشاريع أو إصلاح الأعطاب الطارئة. المشاريع العمرانية غير المصممة وفق استراتيجية متكاملة تؤدي إلى إعادة الحفر المتكرر لنفس الشوارع، مما يزيد من معاناة المواطنين ويعكس غياب رؤية واضحة للتنمية الحضرية.
النظافة بين الإهمال والتحديات التنظيمية
حالة النظافة في المدينة تشهد تدهورًا واضحًا، حيث تتكدس القمامة في العديد من الأحياء والشوارع الرئيسة، حتى في المناطق السياحية الحيوية. أسباب هذا التردي ليست اقتصادية فحسب، بل تتعلق أساسًا بالغياب شبه التام لخطط استراتيجية للنظافة، وضعف التأطير الإداري للعاملين في هذا القطاع، بالإضافة إلى عدم وجود حملات توعوية مستمرة لتحفيز السكان على المساهمة في المحافظة على بيئتهم.
الاختلالات الإدارية وانعدام التخطيط الاستراتيجي
المشكلة الكبرى تكمن في غياب استراتيجية شاملة للتدبير الحضري والبيئي. التدابير المتخذة غالبًا ما تكون عاجلة وقطاعية، تستجيب لضغط الأحداث أو الانتقادات الإعلامية دون معالجة جذرية للأزمات. هذا الوضع يعكس قصورًا في الرؤية التخطيطية للمسؤولين، كما يكشف عن هشاشة المؤسسات المحلية في قدرتها على تنظيم المدينة وإدارة مواردها بكفاءة.
الاستعدادات لكأس العالم 2030: فرصة أم تحدٍ جديد؟
مع الإعلان عن استضافة المغرب لمباريات كأس العالم لكرة القدم 2030، تواجه مراكش ضغطًا مضاعفًا لتطوير بنيتها التحتية والخدمات العمومية، وضمان بيئة حضرية لائقة بالسياح والمشجعين الدوليين. إلا أن الواقع الحالي يطرح علامات استفهام كبيرة حول قدرة المدينة على تحقيق هذا الطموح، في ظل استمرار مشاكل النظافة، وتدهور الشوارع، وانعدام التخطيط الاستراتيجي. إن عدم معالجة هذه التحديات بسرعة سيحول هذه الفرصة إلى اختبار صعب للكفاءات الإدارية، وربما يُضعف من صورة المدينة السياحية أمام العالم.
مراكش، المدينة ذات التراث الغني والجاذبية السياحية الهائلة، تواجه اليوم اختبارًا مزدوجًا: تحسين حياة سكانها والاستعداد لاستضافة حدث عالمي ضخم. الحل يكمن في اعتماد سياسة استراتيجية شاملة تعيد الاعتبار للخدمات العمومية، تحسن البنية التحتية، وتعزز مستوى النظافة من خلال تخطيط منهجي وفعّال، مع إشراك السكان في المحافظة على البيئة الحضرية، لتكون المدينة جاهزة لملحمة رياضية عالمية تحترم صورتها التاريخية والثقافية.