
(كش بريس/ التحرير) ـ رغم ما يبدو من تحسن نسبي في نسب الملء مقارنة بالسنة الماضية، لا تزال مؤشرات المخزون المائي الوطني تكشف هشاشة الوضع المائي بالمغرب. فالأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة التجهيز والماء تشير إلى أن نسبة الملء الإجمالية للسدود بلغت 33,47% فقط من طاقتها العادية، أي ما يعادل 5,6 مليارات متر مكعب من أصل 16,7 مليار متر مكعب متاحة نظرياً.
هذا “التحسن” المحدود يخفي وراءه حقائق مقلقة؛ أبرزها الاختلالات المجالية الكبيرة بين الأحواض المائية. ففي الوقت الذي يحتفظ حوض أبي رقراق بنسبة ملء مريحة نسبياً (63%)، لا يتجاوز حوض أم الربيع، ذي الأهمية الاستراتيجية في تزويد البلاد بالماء والفلاحة، 10,4%. أما سدود محورية مثل “المسيرة” و”بين الويدان” فقد وصلت إلى مستويات شبه حرجة (2,9% و16,1% على التوالي)، ما ينذر بموسم فلاحي جديد محفوف بالمخاطر.
ويطرح هذا التفاوت البنيوي سؤالاً مركزياً حول فعالية السياسات المائية المعتمدة منذ سنوات. فالمغرب أنفق مليارات الدراهم على بناء السدود، لكنه لم ينجح بعد في تحقيق توازن يضمن الأمن المائي ويخفف الضغط على المناطق الجافة. الأحواض الشمالية (سبو واللوكوس) ما تزال أكثر حظاً بفعل التساقطات، بينما تتفاقم معاناة الأحواض الداخلية والجنوبية مع شح الأمطار وتراجع الواردات الطبيعية.
ورغم أن الحكومة تراهن على أمطار الخريف، فإن الاعتماد المستمر على “رحمة السماء” يظل سياسة محفوفة بالمخاطر في سياق مناخي يتسم بالجفاف المزمن. الحلول البديلة، مثل مشاريع الربط المائي بين الأحواض أو تحلية مياه البحر، ظلت رهينة البطء الإداري والتمويل المحدود، بينما يستمر الضغط المتزايد على الموارد بسبب الاستهلاك الفلاحي غير المرشّد، والتوسع العمراني، والطلب الصناعي.
إن أزمة الماء بالمغرب لم تعد ظرفية، بل أصبحت بنيوية. وما لم يتم تفعيل سياسات جريئة وسريعة، تعيد ترتيب الأولويات وتضع الأمن المائي في صدارة الخيارات الاستراتيجية، فإن البلاد ستدخل مرحلة أكثر حرجاً، حيث يتحول “ضعف المخزون” إلى تهديد مباشر للتنمية والاستقرار الاجتماعي.
ـ الصورة من الأرشيف ـ