
(كش بريس/ التحرير)ـ صادق مجلس الحكومة، الخميس 11 شتنبر 2025، على مرسوم جديد يعيد تنظيم المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، مع نقل تبعيتها من وزارة العدل إلى رئاسة الحكومة. ويأتي هذا التحرك في سياق سعي الدولة لتعزيز حضورها الحقوقي على المستويين الوطني والدولي، من خلال منح المندوبية دوراً مرجعياً واستراتيجياً يتيح لها متابعة التزامات المغرب الدولية، والتفاعل مع المستجدات الحقوقية في البلاد بشكل أكثر فاعلية.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن هذا التوجه ينسجم مع التزامات المغرب الدولية، وخاصة أمام الآليات الأممية والإقليمية، ويهدف إلى تحسين آليات إدماج التوصيات الصادرة عنها ضمن السياسات العمومية. كما اعتبر أن التنظيم الجديد يفتح المجال للحوار حول مستجدات القضايا الحقوقية، وتقوية قدرات الفاعلين، وتثمين الخبرات الوطنية في هذا المجال.
الهيكلة الجديدة تتوزع على أربع مديريات رئيسية: إعداد التقارير والتتبع، الدراسات والرصد والتعاون الدولي، التخطيط والعلاقات مع المجتمع المدني، والميزانية والموارد البشرية. وهو ما يمنح المندوبية صلاحيات أوسع في إعداد التقارير الدورية، ومعالجة الشكاوى، وتنسيق الجهود مع مختلف القطاعات والمؤسسات.
ورغم أن الحكومة تقدم هذا الإصلاح باعتباره تعزيزاً للمكانة الدستورية لحقوق الإنسان، إلا أن القراءة النقدية تطرح أسئلة عدة، من بينها رمزية الإلحاق برئاسة الحكومة، حيث إنه قد يُنظر إلى نقل المندوبية من وزارة العدل إلى رئاسة الحكومة كخطوة تمنحها وزناً سياسياً أكبر. غير أن التجربة السابقة للمؤسسات الحقوقية بالمغرب أظهرت أن قوة هذه الأجهزة لا تُقاس فقط بموقعها المؤسساتي، بل بمدى استقلاليتها وقدرتها الفعلية على التأثير في السياسات العمومية.
وناقش مهتمون مسألة التزامات خارجية أكثر من داخلية، إذ إن لغة المرسوم وتصريحات الناطق الرسمي تركز بشكل كبير على “الالتزامات الدولية” و”التقارير الأممية”، بينما تظل الأولويات الحقوقية الداخلية – مثل حرية الصحافة، الحق في الاحتجاج، وضع السجون، والمساواة الاجتماعية – في الخلفية. ما يثير شبهة أن الإصلاح موجه أساساً لتحسين صورة المغرب خارجياً أكثر من كونه يهدف إلى إحداث تحول ملموس داخلياً.
بالإضافة إلى توسيع الصلاحيات أم إعادة إنتاج البيروقراطية، على اعتبار أن تعدد المديريات وتفصيل المهام قد يمنح فعالية تنظيمية، لكنه قد يتحول أيضاً إلى جهاز بيروقراطي ضخم يكرر الأدوار التي تقوم بها مؤسسات قائمة مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ما يطرح سؤالاً حول حدود التكامل أو التداخل بين المؤسستين.
علاوة على ذلك، فإن غياب إشراك المجتمع المدني، يطرح قضية المرسوم تحدث عن “العلاقات مع المجتمع المدني”، لكن دون تحديد آليات واضحة لإشراك الجمعيات الحقوقية المستقلة أو ضمان مشاركتها في صياغة السياسات. وهو ما قد يُبقي العلاقة شكلية أكثر من كونها شراكة فعلية.
عموما فإن إعادة هيكلة المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان تعكس محاولة لإبراز حضور المغرب على الساحة الدولية الحقوقية، لكنها تبقى رهينة باختبار التطبيق على أرض الواقع. فنجاعة أي إصلاح مؤسساتي لن تقاس بعدد المديريات أو مستوى التراتبية الإدارية، بل بقدرة هذه المندوبية على إحداث أثر حقيقي في تعزيز الحقوق والحريات للمواطنين داخل البلاد، بعيداً عن البعد الترويجي أو الاستهلاك الخارجي.