
(كش بريس/ التحرير)ـ دخل القانون الجديد للمسطرة الجنائية (03.23) حيّز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 شتنبر الجاري، في خطوة وُصفت من قبل وزارة العدل بأنها محطة مفصلية في مسار إصلاح منظومة العدالة بالمغرب.
ويُعتبر هذا الإصلاح امتداداً لروح دستور 2011 الذي وضع حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية في قلب المشروع الديمقراطي الوطني. وبموجب النص الجديد، يتم تعزيز مجموعة من المبادئ التي طالما شكّلت محور النقاش الحقوقي والقانوني، من أبرزها:
- توسيع ضمانات المحاكمة العادلة من خلال تعزيز حقوق الدفاع وتكريس قرينة البراءة.
- الحد من الاعتقال الاحتياطي، الذي ظل موضوع انتقادات من منظمات حقوقية وقانونيين، وحصره في أضيق الحالات مع إلزام القضاة بتعليل قرارات الإيداع.
- إرساء بدائل جديدة للإجراءات الاحترازية، ما يساهم في التخفيف من الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية.
- تحسين شروط الحراسة النظرية بإلزامية إخبار المشتبه فيهم بحقوقهم وتمكينهم من الاستعانة بمحام وخدمات الترجمة.
- توسيع نطاق المساعدة القضائية، بما يضمن عدالة أقرب إلى جميع الفئات، خصوصاً الفئات الهشة.
وفي المقابل، يولي القانون الجديد مكانة بارزة لحقوق الضحايا، إذ يضمن لهم الإشعار بمآل الدعوى، والدعم القانوني والاجتماعي، فضلاً عن تدابير حماية خاصة للنساء والأطفال ضحايا العنف. كما أحدث النص مرصداً وطنياً للإجرام بغرض جمع المعطيات الدقيقة وتوجيه السياسة الجنائية وفق مقاربة علمية.
وزير العدل عبد اللطيف وهبي اعتبر أن القانون يشكل “ركيزة أساسية في البناء الإصلاحي الكبير الذي تعرفه بلادنا”، مضيفاً أن تحديث العدالة يشكل عنصراً محورياً في تعزيز الثقة الداخلية وفي جاذبية المغرب الدولية، خصوصاً مع استعداد المملكة لاحتضان كأس العالم 2030.
ويأتي هذا الورش في سياق إصلاحات أوسع تشمل مراجعة القانون الجنائي، وتحديث قوانين المهن القضائية، وتسريع التحول الرقمي بالمحاكم، بما ينسجم مع توجهات النموذج التنموي الجديد ورؤية “مغرب 2030”.
ورغم الطابع التقدمي للنص، يطرح تنفيذه عدة تحديات عملية، أبرزها:
- مدى جاهزية البنية التحتية للمحاكم لمواكبة المقتضيات الجديدة، خصوصاً في ما يتعلق بالرقمنة والآجال المعقولة.
- الحاجة إلى تكوين معمق للقضاة ورجال الأمن والمحامين لمواكبة التغييرات.
- اختبار فعالية بدائل الاعتقال الاحتياطي وقدرتها على الحد من الاكتظاظ السجني.
ويشكل القانون الجديد خطوة إلى الأمام في مسار العدالة المغربية، لكنه سيظل رهيناً بمدى التزام مختلف الفاعلين بتطبيقه على أرض الواقع، وتحويله من مجرد نص قانوني إلى ممارسة يومية تجسد دولة الحق والقانون.