‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د. منصور مالك (لندن): الذكاء الاصطناعي محروم من صفاء القلب والروح، لكنه خادم للإنسان لا منافس له

ـ حدود الذكاء الاصطناعي ـ

نحن نعيش في عصرٍ غير عادي، حيث دخل الذكاء الاصطناعي (AI) في معظم مجالات الحياة الإنسانية — الطب، التعليم، القانون، الحوكمة، التجارة، بل وحتى الفنون. وأصبح اليوم قادراً على معالجة ملايين المعلومات في ثوانٍ، والمساعدة في تشخيص الأمراض، وترجمة اللغات، والتخاطب مع الإنسان.

وهنا يطرح السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتفوّق على الإنسان؟

والجواب: لا. لأن الإنسان خلقه الله، خالق الكون، وخصّه بنعمتين لم تُعطيا لأي مخلوق آخر: الروح والقلب. أما الذكاء الاصطناعي فهو محروم منهما. إنه من صنع الإنسان، خادمه ومعاونه، لكنه لا يمكن أبداً أن يكون بديلاً عنه.

مكانة الإنسان في القرآن

القرآن الكريم يؤكد مراراً وتكراراً فضل الإنسان وكرامته:
• ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70)
“ولقد كرّمنا بني آدم.”
فالكرامة ليست بسبب التقنية، بل بسبب الروح والقلب.
• ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ (الحجر: 29)
“فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي…”
وهذه النفخة الإلهية هي ما يميز الإنسان عن أي مخلوق أو آلة.
• ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة: 31)
“وعلّم آدم الأسماء كلها.”
وهذا هو العلم الحقيقي الذي أُعطي للإنسان وحده. أما الذكاء الاصطناعي فلا يعرف إلا ما يُغذّيه به البشر.

حقيقة القلب

القرآن يبيّن أن مركز الإيمان والهداية هو القلب:
• ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: 46)

فالعقل يحسب، لكن القلب يبصر بنور الله، يشعر بالحب، ويتأثر بالدموع. أما الذكاء الاصطناعي فلا يملك قلباً ولا إحساساً.

الهدي النبوي

قال رسول الله ﷺ:
“الحِكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها” (الترمذي)
فالذكاء الاصطناعي نوع من الحكمة، لكنه وُجد ليخدم الإنسان لا ليصارعه.

وقال ﷺ أيضاً:
“ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.” (البخاري، مسلم)
فصلاح القلب هو معيار التفوق الإنساني على أي آلة أو تقنية.

بصيرة جلال الدين الرومي

يقول الرومي:
“العقل عاجز عن شرح العشق.”
فالذكاء الاصطناعي عقل بارد، بلا عشق، بلا دعاء، بلا سجود.

ويقول أيضاً:
“أنت لست قطرة في بحر، بل البحر كله في قطرة.”
فالإنسان بحرٌ واسع يحمل نفخة الروح الإلهية. أما الذكاء الاصطناعي فمجرد انعكاس محدود لصورة الإنسان.

الذكاء الاصطناعي كصديق ومعاون

ينبغي ألا نراه عدواً ولا إلهاً. إنه من صنعنا، وُجد ليكون خادماً ومعيناً:
• فالنار تطهو الطعام، وقد تحرق البيت.
• والسكين تقطع الخبز، وقد تجرح اليد.

وكذلك الذكاء الاصطناعي: إمّا أن يكون نعمة إذا استُخدم في العلم والرحمة والعدل، أو نقمة إذا وُجّه للحروب والطمع والظلم.

بصيرة العلماء والحكماء
• قال الإمام الغزالي: “العلم الحقيقي هو الذي يقود إلى الله.”
والذكاء الاصطناعي يعطي معلومات، لكنه لا يمنح الحكمة.
• وقال الشيخ الأكبر ابن عربي: “القلب مرآة تنعكس فيها الحقائق الإلهية.”
وهذه المرآة لا يمكن لأي آلة أن تصنعها.

دروس العصر
1. تصحيح النية: كل أداة تتبع نية مستخدمها.
2. مركزية الإنسان: وحده الإنسان قادر على المحبة والمغفرة.
3. الرجوع للوحي: يجب أن يُستخدم كل تطور تكنولوجي في ضوء القرآن والسنة.
4. النظر إليه كنعمة: فالذكاء الاصطناعي من صنع البشر، لكن البشر أنفسهم من صنع الله.

الخاتمة: تفوق الإنسان الأبدي

قد يبلغ الذكاء الاصطناعي أعلى مراتب الحوسبة والقدرة، لكنه لن يصل إلى نور قلب المؤمن.

قال الرومي:
“ذهب الشتاء وجاء الربيع.”
وروح الإنسان ربيع متجدد، أما الذكاء الاصطناعي فلن يشعر بهذا الربيع أبداً.

ولهذا، ينبغي أن يكون الذكاء الاصطناعي خادماً وصديقاً، لا عدواً ولا منافساً. إنه من صنع الإنسان، بينما الإنسان نفسه هو أعظم مخلوق خلقه الله.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button