‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د مصطفى عيشان: الوهم الجماعي.. تعبير ثقافي اجتماعي عن عطش جماعي للأمل

بين الفينة والأخرى يتناقل المغاربة أخبارًا مثيرة عن اكتشافات معدنية نفيسة: كالذهب مثلا أو البترول. ورغم غياب أي بلاغ رسمي أو مصدر علمي موثوق، فإن هذه الأخبار تكتسب سرعة انتشار هائلة. هنا يطرح السؤال: لماذا يتجاوب الناس مع هذه الإشاعات وكأنها حقائق؟ للإجابة، نحتاج إلى استحضار مفهوم الوهم الجماعي.

أصل المصطلح ودلالته

مصطلح الوهم الجماعي يجمع بين “الوهم” الذي يعني الاعتقاد الخاطئ أو التصور غير المطابق للواقع، و”الجماعي” الذي يحيل إلى اشتراك أفراد المجتمع في تصديق ذلك الاعتقاد. في الحقول السوسيولوجية والنفسية، يشير هذا المفهوم إلى آلية دفاعية–رمزية، حيث تبني الجماعة معتقدًا مشتركًا لتخفيف الضغط النفسي والاجتماعي، حتى لو كان بعيدًا عن الحقيقة.

الوهم الجماعي في السياق المغربي

في المغرب، يتخذ الوهم الجماعي شكلًا خاصًا يرتبط بالحلم بالثروة الموعودة:

• أخبار المعادن: تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل أو الشفهيات الشعبية، من دون أي تحقق رسمي.

• الوظيفة الرمزية: تمنح الناس أفقًا بديلاً عن واقع البطالة والفقر والتهميش، وكأنها وعد بالخلاص الاقتصادي.

• غياب الثقة المؤسساتية: ضعف التواصل الرسمي من طرف المؤسسات المعنية بالمعادن والطاقة يترك فراغًا، فتملؤه إشاعات تتكرر مع تغير المواقع والقصص.

أمثلة مغربية للوهم الجماعي

ليست ظاهرة الوهم الجماعي مجرد إشاعة عابرة، بل نجد لها تجليات في تجارب واقعية علق فيها الناس آمالًا كبرى قبل أن يكتشفوا لاحقًا أن الأمر كان وهمًا أو حلمًا مؤجلًا:

• حلم البترول: منذ الثمانينيات تتكرر الأخبار عن قرب استخراج النفط من تندرارة أو مناطق أخرى، حتى صار الأمل في “الثراء النفطي” جزءًا من الخيال الجماعي، لكنه يتبدد مع كل إعلان رسمي يصف الكميات بغير التجارية.

• حلم الذهب: قصص محلية عن مناجم ذهب ضخمة غذّت آمال السكان في ثروة مفاجئة، لكن الواقع كشف محدودية النشاط المعدني.

• الفوسفاط كثروة للجميع: يُقدَّم المغرب كبلد له اضخم ثروة فوسفاطية، مما غذّى الاعتقاد الشعبي بأن هذه الثروة وحدها تكفي لحل جميع المشاكل الاجتماعية، بينما ظل أثرها المباشر محدودًا في الحياة اليومية.

• مشاريع المدن الخضراء: في مدن مثل بنجرير ، ارتفعت التوقعات حول تحولات كبرى بفعل مشاريع حضرية ضخمة، لكن بطء التنفيذ وتواضع النتائج جعل الآمال الجماعية تتحول إلى نوع من الخيبة.

• السياحة كمنقذ اقتصادي: التصور السائد بأن السياحة ستوفر حلًا نهائيًا للبطالة والتنمية اصطدم بأزمات متكررة (مثل جائحة كوفيد-19)، فكشف هشاشة الرهان.

مروّجو الأوهام وتجار الإشاعة

في ظاهرة الوهم الجماعي بالمغرب بمن ينشروه، وليس كل من ينشر أخبار المعادن أو الثروات الموعودة يحمل نفس الدافع أو النية اذ هناك صنفين:

• مروّجو الأوهام: يساهمون في نشر المعلومات الخاطئة أو المبالغ فيها بلا قصد مصلحي، غالبًا عن طريق إعادة تداول إشاعات أو روايات شعبية، أو مشاركة آمال جماعية بحسن نية.

• تجار الإشاعة: ينشرون الوهم بقصد المصلحة، سواء لجذب الانتباه، أو التأثير على الرأي العام، أو تحقيق ربح اقتصادي أو سياسي. في هذا السياق، تصبح الإشاعة سلعة تتداول بين المصدِّقين والمستفيدين، ويكتسب الوهم بعدًا رمزيًا واستغلاليًا في آن واحد.

أساطير الثروة كصورة معاصرة

الوهم الجماعي حول المعادن ليس مجرد إشاعة عابرة، بل هو ما يشبه أسطورة معاصرة:

• يحمل عناصر الخيال (اكتشاف الذهب أو النفط فجأة).

• يعبر عن التمنيات الجماعية (حلم الثراء الفجائي).

• يتجدد دوريًا كلما زادت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

إذن، الوهم الجماعي في المغرب، كما يظهر في إشاعة المعادن، هو أكثر من مجرد خبر زائف؛ إنه تعبير ثقافي–اجتماعي عن عطش جماعي للأمل وعن بحث دائم عن مخرج من الأوضاع المتوترة. كما يُبرز الحاجة إلى تواصل مؤسساتي شفاف يقطع الطريق على الأساطير، ويمنح المواطنين معرفة واقعية عن إمكانات بلادهم. التفريق بين مروّجي الأوهام وتجار الإشاعة يساعد على فهم دينامية انتشار هذه الأخبار بين الجانب الشعبي العفوي والجانب الاستغلالي المصلحي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button