
(كش بريس/تطوان)ـ نظمت دار الشعر بتطوان ليلة شعرية استثنائية مساء الأربعاء الماضي، في فضاء المركب الثقافي عبد الخالق الطريس، ضمن تعاون مثمر مع جمعية قدماء المعهد الحر، وبمكتبة شاهقة تحفها رفوف لا متناهية، نشأت بفضل تبرعات أعلام ومثقفي المدينة الذين ساهموا في تأسيس المعهد الحر سنة 1935. تضم هذه الخزانة كنوزاً من كتب المؤسسين، إلى جانب مكتبة عبد الخالق الطريس، مقدمين للقراء مجموعة نفيسة من المؤلفات باللغتين العربية والإسبانية، تحمل تاريخ المدينة الثقافي وفخرها المعرفي.

كانت الأمسية مدخلاً لموسم دار الشعر العاشر، الذي انطلق منذ ربيع 1916، ثم تأسست رسمياً بموجب مذكرة تفاهم بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمغرب ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة. حضر اللقاء أعضاء جمعية قدماء المعهد، وعدد من خريجيه ومثقفي المدينة، وعشاق الشعر الذين حرصوا على متابعة فعاليات الدار منذ تأسيسها، محافظين على رابط تاريخي بين الذاكرة الثقافية والمعاصرة الأدبية.

افتتحت الأمسية بتكريم الأستاذ الراحل الحسن الشقور، أحد أساتذة ومدراء المعهد بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث ألقى خلفه على رأس المعهد عبد القادر الزكاري كلمة استعرض فيها مناقب الرجل، مسلطاً الضوء على دوره في الرقي بالبرنامج التعليمي والثقافي، وصوته الراسخ الذي ظل حاضراً في ذاكرة الخريجين، وهو يردد معهم الأناشيد الوطنية والقصائد الخالدة. كما تم تكريم الشاعر سعيد بنعياد، خريج المعهد، الذي أعاد بأدائه الحي ذكريات تخرجه سنة 1980، مستعرضاً قصيدته المفعمة بالحنين والحماسة:
“أبَلابِلَ الرَّوْضاتِ، إنّي مُنْشِدُ! فلْتُنْشِدي بَعْدي: لِيَحْيَ المَعْهَدُ!”
توالت بعد ذلك قراءات شعرية مفعمة بالعمق والتجربة، بدءاً بالشاعر محمد عابد من العرائش، الذي ألقى قصيدته “شبيهي في الأنين” و”في رأسي حرب صغيرة”، مستحضرًا في أبياته صراع الإنسان مع الأيام والوساوس الداخلية، وصولاً إلى الشاعرة نعيمة الحداد من تطوان التي اختارت قصيدة الموت والحياة، متأملةً في الإنسان والقدر والمقاومة. واختتم الشاعر محمد بلمو من الرباط الأمسية بقصيدتيه “الفلسطينيات” و”بين قوس وقوس”، مستحضراً القضايا الإنسانية والوطنية، ومعبراً عن الروح الشعرية التي تعانق الألم والأمل في آن واحد.

شهدت الأمسية حضوراً غفيراً، في فضاء جديد انفتحت عليه دار الشعر، التي تنقل نشاطها بين الحدائق والمتاحف والمعاهد والمكتبات والمواقع الأثرية، لتعزيز حضور الشعر في الفضاء العمومي، وإشاعة الإبداع الأدبي بين مختلف المؤسسات والهيئات، وجعل الشعر فضاءً حياً يستقبل التجارب والقصائد ويغذي الروح الثقافية للمدينة.