
إن ما يجري في الشارع العام ببعض المدن المغربية من تظاهرات واحتجاجات اجتماعية شبابية. لا يمكن اعتباره حدثا عرضيا أو عابرا. بل هو تعبير عن تحولات عميقة يشهدها المجتمع المغربي منذ فترة ليست بالقريبة كانت فيها الأمواج ضعيفة ومتوسطة إلى أن تحولت إلى أمواج عاتية، قد تتحول إلى تسونامي يجرف الأخضر واليابس. فالاحتجاجات السلمية التي يقودها الشباب المغربي حاليآ ليس بالضرورة تحت اسم “شباب Z”، تحمل في طياتها تراكمات عنيفة ناتجة عن سياسات تعاقبت في تدبير الشأن العمومي المغربي أعطت الأولوية لبرامج اقتصادية وسياسية في حين أهملت الجانب الاجتماعي ضاع معها أجيال الشباب الذين لم يجدوا أنفسهم في تلك البرامج.
صحيح أن الأحزاب السياسية تتحدث عن قطاع الشباب لكن للأسف بمنطق تقليدي يفرض الوصاية ولا يقدم أي حلول، وهذا ما ساهم في عزوف الشباب وانغماسه في عالم رقمي بلا حدود ناقم على الواقع والأوضاع الإجتماعية والاقتصادية. قد نختلف حول هوية هؤلاء الشباب ومن يدعمهم، لكن يجب أن نتفق أولا على أن هذا الوضع هو نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مجمع عالمي يخطط ويوجه بل اصبحت لها ايديولوجية تتجاوز السيادة الوطنية ولا تؤمن بالدولة أو الأحزاب والنقابات… إلخ. بل تؤمن بالحرية المطلقة التي لا تعرف ولا تعترف بالحدود…
وعلى هذا الأساس، فإن التعامل مع هذه الظاهرة يجب أن يكون عقلانيا ونقديا يستحضر كل العناصر المكونة لها خاصة من قبل المسؤولين سواء كانت الدولة أو الأحزاب… ومن هنا وجب التأكيد على ما يلي:
أولا، يجب أن نستحضر أننا نعيش في بلد ينعم بالأمن والاستقرار خلاف الكثير من الدول المغاربية والعربية التي فقدت البوصلة في شؤونها الداخلية والخارجية..
ثانيا، لقد سبق للمغرب أن عرف اهتزازات اجتماعية كبيرة في تاريخه المعاصر، لكن ولحسن الحظ أنه كان يعرف كيف يخرج منها سالما متطلعا لاستحقاقات كبرى.
ثالثا، أن الدستور المغربي يكفل الحقوق بما فيها حق الاحتجاج والتظاهر، وبالتالي من حق اي مواطن أن يعبر عن اراءه وافكاره في إطار الإحترام التام للقانون.
رابعا، أن الانزياح نحو إستعمال العنف أو الدعوة لاستعماله خارج القانون يهدد الأمن الاجتماعي وسلامة الدولة والمواطنين.
خامسا، إن الفضاء الرقمي وتحديدا وسائل التواصل الاجتماعي بالحالة التي هي عليه الآن أصبحت تشكل تهديدا خطيرا للامن الإجتماعي خاصة تلك الحسابات التي لا تحمل هوية والمتخقية وراء أسماء ورموز ومنها من هي خارج الوطن ليس لها من مهمة سوى التحريض والتهويل وزعزعة الاستقرار، فمتى سيقدم المغرب على هيكلة هذا الفضاء بما يلزم من قوانين وضوابط؟
سادسا، يجب أن نعترف أن الحرب السيبرانية قد حققت أشواط كبيرة في هجوماتها على المغرب، وما نتابعه اليوم في الفضاء الرقمي يثير الكثير من التساؤلات العميقة حول الجهات التي تقف وراءها وبالتالي، ما هي إستراتيجية المغرب في هذا المجال؟
سابعا، أن جيل الشباب الرقمي لا يمكن اعتباره إلا أبناء المغرب وبالتالي الأهتمام والعناية بهم امر ضروري وحتمي وأن الحوار هو السبيل الوحيد للاقناع وأن الانصات لمطالبهم لا يمكن اعتباره إلا امرا إيجابيا يدخل في إطار الحقوق والمواطنة.
ثامنا، يجب أن نعترف أن قطاعي الصحة والتعليم من أكثر القطاعات حساسية من الناحية الإجتماعية وأن الاختلالات في هاذي المجالين لا يمكن اخفاءه أو تجاوزه بل يجب الإقرار بذلك والعمل على تجاوز ذلك من خلال سياسات عمومية تولي أهمية خاصة لحاحيات المواطنين، فلا يمكن أن يكون قطاعي (الخاص والعام) يسيران بسرعتين مختلفين الأول في انتعاش والثاني في تدهور وتراجع.
تاسعا، لا يمكن لأي مغربي أن ينكر المجهودات التي بذلتها الحكومة في السنين الأخيرة لمعالجة معضلات الصحة والتعليم وتعميم التغطية الصحية الإجتماعية رغم التراكمات السلبية لسياسات سابقة ساهمت في تدهور القطاعين وتراجعهما. ورغم ذلك على الحكومة أن تنصت لنبض الشارع والمواطنين خصوصًا واننا نعيش في زمن التقلبات العالمية السياسية والاقتصادية والمالية التي لهآ انعكاس مباشر على واقعنا المعاش.
عاشرا، أن محاربة الفساد كيفما كان نوعه يجب أن يشكل أولوية اجتماعية حاضرة في البرامج الحكومية ما دام أن ذلك يهدد السلم الإجتماعي ويكلف الدولة خسائر كبيرة وما دام ذلك مطلبا شعبيا ملحا تتحدث عنه التقارير الوطنية والدولية في كل سنة.
حادي عشر، يعتبر التشغيل معضلة كبيرة باتفاق الجميع إلا أن البطالة تكتسح الفضاءات الإجتماعية، ويتوهم من يعتقد أن هناك حلولا سحرية للمعضلة إلا أن تبني سياسة عملية واقعية لمعالجة المشكلة أصبحت تفرض نفسها بقوة. فالخريجون من الجامعات المغربية في طوابير كبيرة تنتظر فرصتها والقليل من يظفر بفرحصة النجاح.
وفي الختام، إننا لا نعترض على التظاهر والاحتجاج السلمي من اجل المطالب المشروعة الإجتماعية على الخصوص لكن ذلك يجب أن يحترم قواعد التواصل والحوار والجلوس كهيات قانونية لإيجاد أرضية مشتركة لكل القضايا كيفما كآن نوعها وحجمها. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الفضاء المناسب للخوض والحسم في هكذا قضايا وأننا بحاجه إلى معالجة هيكلية للفضاء الرقمي بما يحفظ الهوية والسيادة. إن الشباب أولوية وطنية في مطالبهم واحتياجاتهم الواقعية والقانونية ويجب أن تحظى بالعناية والإهتمام من لدن الدولة والمنتخبين.
إننا كمغاربة في سفينة واحدة وإغراقها إغراق للجميع لا قدر آلله.