
(كش بريس/التحرير)ـ بينما انطلقت احتجاجات الشباب بشعارات اجتماعية سلمية، رصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان انزياحات مقلقة في العالم الافتراضي، حيث ظهرت حسابات وهمية وأخرى أجنبية تسعى إلى تحويل الفضاء الرقمي إلى محرّك للعنف والتحريض، في خطوة تطرح تساؤلات حول خلفياتها وأهدافها.
وأفاد المجلس، في خلاصات أولية صادرة الأربعاء، أن التدقيق التقني بين أن العديد من هذه الحسابات يعود أصله إلى خارج المغرب، ويغلب عليها الطابع المريب: حديثة الإنشاء، مغلقة، أو بلا محتوى سابق.
وأشار المجلس إلى أن هذه الحملات الرقمية تجاوزت التحريض على العنف إلى المس المباشر بكرامة المواطنات والمواطنين، خصوصاً النساء اللواتي رفضن المشاركة في المظاهرات أو نددن بدعوات التخريب، ما يطرح علامات استفهام حول الأطراف التي تقف خلف هذه التعبيرات الرقمية المشبوهة.
في الوقت نفسه، أكد المجلس أن الاحتجاجات الشبابية انطلقت سلمياً وبمطالب مشروعة، لكنها شهدت لاحقاً انزلاقات خطيرة تجلت في رشق الحجارة، السرقة، إضرام النار في سيارات، وإتلاف ممتلكات، فضلاً عن بعض التدخلات الأمنية غير الملائمة. واعتبر أن الفضاء الرقمي تحول إلى ساحة مركزية لتمثلات الشباب وطرق تعبيرهم.
وعبّر المجلس عن أسفه العميق لوفاة ثلاثة أشخاص في أعقاب احتجاجات القليعة، وتسجيل إصابات في صفوف المحتجين والقوات العمومية، مطالباً بفتح تحقيق شامل في جميع الحالات المرتبطة بالحق في الحياة والسلامة الجسدية، مؤكداً في الوقت ذاته استمراره في عمليات الرصد الميداني وملاحظة المحاكمات.
كما أوصى المجلس بتأويل حقوقي منفتح للحق في التجمع السلمي، بعيداً عن شرط التصريح أو الإشعار المسبق، شرط الحفاظ على السلمية، ورحب بإطلاق سراح عدد من المحتجين، في حين أدان بشدة محاولة اقتحام مركز للدرك الملكي بالقليعة وإضرام النار فيه.
وختم المجلس بالتذكير بأن حرية التعبير والتجمع السلمي مكفولة دستورياً وضمن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، لكنها لا تنسجم مع أشكال العنف الخطير وواسع النطاق، مؤكداً أن أي احتجاج يفقد سلميته يخرج من نطاق الحماية الحقوقية.
يمكن قراءة تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ثلاثة أبعاد أساسية:
- البعد الرقمي ـ الأمني: التحذير من الحسابات الوهمية والأجنبية يعكس قلقاً رسمياً من استغلال الفضاء الرقمي كأداة لتأجيج العنف والتأثير على دينامية الاحتجاجات الداخلية. هذا يطرح سؤالاً عن الحرب الرقمية كواجهة موازية للاحتجاجات الميدانية.
- البعد الحقوقي ـ المؤسساتي: المجلس يتبنى خطاباً مزدوجاً: من جهة يؤكد شرعية المطالب الشبابية وحقهم في التظاهر، ومن جهة أخرى يدين الانزلاقات العنيفة ويطالب بالتحقيق في كل الانتهاكات بما فيها تلك التي طالت الحق في الحياة. هذه الازدواجية تسعى إلى تحقيق توازن بين الدفاع عن الحقوق وإقرار الأمن.
- البعد السياسي ـ الاجتماعي: توصيات المجلس بالتحرر من قيود التصريح المسبق للتجمعات، والتركيز على شرط السلمية فقط، تحمل رسالة إصلاحية للمشرّع والسلطات التنفيذية، مفادها أن المساحة الحقوقية يجب أن تتسع بدل أن تضيق، حتى لا تتحول الاحتجاجات إلى مسارات عنيفة.
في المحصلة، يعكس التقرير إدراكاً متنامياً بأن الاحتجاجات الشبابية ليست مجرد حدث ظرفي، بل مؤشر على أزمة وساطة سياسية واجتماعية، وأن الرهان الأكبر يظل في القدرة على إعادة بناء الثقة عبر مقاربة شمولية: تحصين السلمية، ضبط الأمن، وتوسيع الحريات.