‏آخر المستجداتفنون وثقافة

من اقتصاد السوق إلى اقتصاد الكرامة: أطروحة د. محمد حركات في تفكيك منطق اللامعنى الاقتصادي

(كش بريس/خاص)ـ

صدر حديثًا عن دار السلام للنشر والتوزيع مؤلف جديد للباحث والأكاديمي المغربي الدكتور محمد حركات بعنوان: «من أجل اقتصاد سياسي لكرامة الأمم»، وهو عمل علمي وفكري يمتد على أكثر من ثلاثمائة صفحة، يشكل مرافعة جريئة ضد بنية النظام الاقتصادي العالمي الراهن، الذي يصفه المؤلف بأنه “مأزوم، مُفقِر، ومُوَلِّد للعنف”.

ينخرط هذا الكتاب في لحظة دولية ومحلية مشحونة بالتحولات، تزامنت مع انبعاث حركات شبابية جديدة، كحركة “جيل زد 212”، التي كشفت حجم التصدع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة. وفي هذا السياق، يقدم الدكتور حركات إطارًا نظريًا ومنهجيًا متكاملًا لبناء تصور بديل، ينهض على فكرة الاقتصاد السياسي للكرامة، باعتباره نموذجًا تنمويًا إنسانيًا يواجه منطق السوق المنفلت والنيوليبرالية المتوحشة.

يرى المؤلف أن المنظومة الاقتصادية العالمية الراهنة تعيد إنتاج الفقر والتفاوت والاغتراب، عبر آليات مالية وتجارية تخدم رأس المال لا الإنسان، وتحوّل الاقتصاد من فضاء للعدالة والإبداع إلى آلة لاستنزاف البيئة وتغوّل الشركات العابرة للقارات على حساب الشعوب والدول الوطنية. ومن هنا تأتي دعوته إلى إعادة بناء العلاقة بين الاقتصاد والأخلاق، بين الإنتاج والمعنى، من خلال ما يسميه “خريطة العمل نحو كرامة الأمم”.

الكتاب لا يكتفي بالتشخيص، بل يقترح منظومة عملية للإصلاح، تنطلق من إعادة الاعتبار لقيم العمل والعلم والتضامن، ومحاربة منظومة الريع والفساد وتضارب المصالح، التي وصفها المؤلف بـ”اقتصاد التفاهة”. ويؤكد أن المدخل الحقيقي للتنمية لا يقوم على النمو الكمي للمؤشرات، بل على التحرر المعرفي والثقافي للمجتمعات، وبناء ثقة جديدة بين الدولة والمجتمع عبر الشفافية والمساءلة والحكامة الرشيدة.

ويضع الدكتور حركات مفهوم “الكرامة الاقتصادية” في مواجهة الأزمة البنيوية المتعددة الأوجه التي يعانيها العالم: غلاء المعيشة، بطالة الشباب، التفاوت الاجتماعي، الاحتباس الحراري، تمركز الثروة، وفشل العدالة الدولية. فهذه المظاهر، في نظره، ليست عوارض طارئة، بل نتائج مباشرة لانهيار القيم المؤسسة للاقتصاد الإنساني.

ويرى الباحث أن تجاوز هذه الأزمات يقتضي إعادة الاعتبار لدور الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في صياغة ميثاق تنموي أخلاقي جديد، يجعل الإنسان في قلب العملية الاقتصادية، لا في هامشها. وهو بذلك يدعو إلى تحويل الاقتصاد من أداة تراكم إلى مشروع حضاري يقوم على التوازن بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بين الربح والمعنى، وبين السوق والمجتمع.

في هذا السياق، يتقاطع فكر الدكتور حركات مع ما يسميه بعض المفكرين بـ“اقتصاد المعنى” أو “الاقتصاد الإنساني”، حيث تصبح الكرامة محورًا فلسفيًا للسياسات العمومية لا مجرد شعار أخلاقي. فالكرامة، في تصور المؤلف، ليست قيمة مجردة، بل نظام إنتاج بديل، يحوّل المعرفة إلى ثروة، والمواطنة إلى طاقة، والعدالة إلى بنية مؤسساتية.

إن كتاب «من أجل اقتصاد سياسي لكرامة الأمم» لا يقدم فقط نقدًا للنظام الاقتصادي العالمي، بل يستنهض الوعي المغربي والعربي لبناء نموذج تنموي جديد يليق بكرامة الإنسان. وهو بذلك يضيف لبنة فكرية في مشروعٍ معرفي أكبر يسعى إلى تحرير الاقتصاد من هيمنة المال، وإعادته إلى أصله الأول: خدمة الإنسان، لا استعباده.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button