‏آخر المستجداتتمازيغت

الأمازيغية بين الاعتراف الدستوري والتهميش المؤسساتي

(كش بريس/ التحرير)ـ تعيش الأمازيغية في المغرب، رغم الاعتراف الرسمي بها كلغة وطنية منذ دستور 2011، حالةً من الفراغ العملي بين النص والممارسة. فبينما كانت الدسترة حدثاً تاريخياً أنهى عقوداً من الإقصاء والتهميش الرمزي، فإنّ الواقع المؤسساتي ظلّ أسير مقاربة شكلية، حوّلت هذا المكتسب إلى إعلان رمزي بلا مضمون فعلي.

في هذا السياق، عبّرت منظمات وجمعيات أمازيغية عن إدانة واضحة لما اعتبرته “وضعية خطيرة” وصلت إليها الأمازيغية لغةً وثقافةً وهويةً وحضارةً، نتيجة ما وصفته بـ”سياسات التملص والتأجيل الممنهج” التي مارستها الدولة والحكومات المتعاقبة، من خلال عدم تفعيل المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي المتعلق بإدماج الأمازيغية في المؤسسات ومجالات الحياة العامة.

فمنذ أكثر من عقد، لا يزال التفعيل العملي للطابع الرسمي للأمازيغية رهيناً بتفسيرات ضيقة، ومقاربة بيروقراطية مترددة، جعلت من اللغة الأمازيغية مجرد ملف إداري بدل أن تكون مشروعاً مجتمعياً لإعادة التوازن الهوياتي والثقافي داخل الدولة المغربية الحديثة. ويبرز ذلك، على وجه الخصوص، في ضعف تعميم تعليم الأمازيغية، سواء على المستوى الأفقي أو العمودي، وغيابها شبه التام في الجامعات ومعاهد التكوين والإدارات العمومية ووسائل الإعلام الرسمية.

من جانب آخر، نبّهت الإطارات الأمازيغية إلى أن غياب مخططات عمل واضحة لدى الوزارات والمؤسسات والجماعات الترابية، وعدم تخصيص الموارد المالية والبشرية اللازمة، يمثلان تراجعاً بنيوياً عن روح الدستور. فإقصاء الأطر المختصة والفاعلين من مراكز القرار، وتهميش الكفاءات العاملة في الميدان اللغوي والثقافي، يكشف عن خلل مؤسساتي يعيد إنتاج اللامساواة اللغوية والثقافية التي طالما كانت جوهر الصراع الرمزي في المغرب الحديث.

ولعل أخطر ما يحذر منه البيان هو أن هذا التملص المستمر يهدد بفقدان الثقة في التعاقد الدستوري ذاته، وفي آليات الترافع المدني، مما قد يفتح الباب أمام توترات اجتماعية وردود فعل غير متوقعة، خاصة في ظل تنامي الإحساس الجمعي بالغبن الثقافي والمجالي. فالقضية الأمازيغية هنا ليست مجرد مسألة لغوية، بل مسألة عدالة رمزية وتنموية تعكس علاقة الدولة بمواطنيها وتصورها للتعدد داخل وحدة الوطن.

وفي الوقت ذاته، شددت الفعاليات الأمازيغية على رفضها القاطع لكل مظاهر العنف والشغب التي رافقت بعض الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، مؤكدة أن الاحتجاج السلمي المنظم هو الطريق المشروع للتعبير عن المطالب العادلة، وأن الأمازيغية كقضية تحرر ثقافي لا يمكن أن تنفصل عن قيم الديمقراطية والاختلاف واحترام القانون.

كما دعت الجمعيات والباحثين والمناضلين إلى بناء جيل جديد من الديناميات الأمازيغية، يتجاوز العمل الاحتجاجي نحو مقاربة استراتيجية قائمة على الإنتاج العلمي والفني والفكري، وإعادة صياغة المشروع الأمازيغي في أفقه الحقوقي والحضاري.

إن أزمة الأمازيغية اليوم ليست في غياب النصوص القانونية، بل في غياب الإرادة السياسية لتفعيلها. وما بين الاعتراف الدستوري والتطبيق الواقعي، يظل السؤال مفتوحاً حول قدرة الدولة على تجاوز منطق الرمزية نحو منطق العدالة اللغوية والثقافية، باعتبارها شرطاً من شروط بناء الديمقراطية الحقيقية والمواطنة المتساوية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button