
(كش بريس/التحرير)ـ صدرت وثيقة جديدة لحركة “GENZ 212″، يتبدّى من خلالها أن الجيل الجديد من الشباب المغربي يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع عبر ما تسميه الحركة “تفعيل العقد الدستوري”، أي تحويل الدستور من نصّ مؤسّس إلى التزام عمليّ يضمن الحقوق، ويجعل النموذج التنموي الجديد واقعا ملموسا لا مجرّد رؤية نظرية.
الوثيقة التي نُشرت على منصة “ديسكورد”، لا تكتفي برفع شعارات احتجاجية، بل تتخذ شكل برنامج اجتماعي واقتصادي إصلاحي متكامل، موزّع على أربعة محاور، تتقاطع جميعها عند مطلب مركزي هو: تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إصلاح بنيوي يربط المسؤولية بالمحاسبة، والمواطنة بالكرامة الاقتصادية والاجتماعية.
تبدأ الحركة بمطلبٍ يحمل دلالات رمزية قوية: الصحة أولوية في الميزانية، مستندةً إلى الفصل 31 من الدستور. إنها لا تطالب بزيادة الإنفاق فقط، بل بإرساء نموذج حكامة جديد يربط المسؤوليات بالنتائج، ويضع الكفاءة والمساءلة في قلب المنظومة الصحية. من هنا يظهر أن الخطاب الشبابي ينتقل من مطلب “الحق في العلاج” إلى مطلب “الحق في دولة الرعاية”، أي دولة تجعل من الاستثمار في الإنسان جوهر مشروعها التنموي.
وفي محور التعليم والتكوين، تتخذ الوثيقة منحى إصلاحيا جذريا، إذ تعتبر أن أيّ نهضة حقيقية تمرّ عبر “تحديث جذري للمناهج” و”تمكين هيئة التدريس”. وهي دعوة تتجاوز لغة الشعارات نحو رؤية معرفية تؤكد على بناء إنسان قادر على التفكير النقدي والإبداع الرقمي، بما يجعل المدرسة المغربية فضاءً لتأهيل جيل قادر على مواكبة التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي.
أما في المجال الاقتصادي، فيبرز الطابع البراغماتي للحركة. فهي لا تطالب بتوزيع الثروة فحسب، بل بـ“إعادة توجيه استراتيجي للاقتصاد” نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، كالتكنولوجيا الخضراء والصناعات المتقدمة، مع تمكين الشباب من ريادة الأعمال والولوج إلى التمويل والمواكبة. إن هذا المطلب يعكس تحولا في وعي جيل جديد لم يعد يكتفي بالمطالبة بالشغل، بل يطالب باقتصاد منتج للفرص لا قائم على الريع والوساطة.
وفي الجانب السياسي والمؤسساتي، تضع الحركة محاربة الفساد والشفافية في صلب رؤيتها، معتبرة أن أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي يظل هشاً ما لم يُبْنَ على قضاء مستقل وهيئات رقابة فعالة. لذلك تطالب بتفعيل قانون الإثراء غير المشروع، وتوسيع التصريح الإجباري بالممتلكات، واعتماد نظام رقمي شفاف للصفقات العمومية. هذا المطلب يُظهر وعياً جديداً بأن الفساد ليس عرضاً بل بنية، وأن تفكيكها يتطلب إصلاحاً عميقاً في بنية السلطة وآليات المحاسبة.
وتختتم الوثيقة بموقفٍ سياسي صريح حين تعتبر أن فشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها الدستورية والتنموية يستدعي “تفعيل المسؤولية السياسية”، أي ربط الشرعية بالأداء، مطالبةً باستقالة الحكومة الحالية “ليس كشعار شعبوي، بل كاستحقاق دستوري”.
تحليلًا، تكشف الوثيقة عن تحول نوعي في الخطاب الاحتجاجي المغربي؛ فجيل “زد” لا يرفع المطالب الاجتماعية التقليدية فحسب، بل يعيد تأطيرها في ضوء الدستور والنموذج التنموي الجديد، ما يجعل حركته أقرب إلى تعبير سياسي إصلاحي حديث يزاوج بين اللغة القانونية والرؤية الاجتماعية.
إنها لحظة فاصلة في الوعي السياسي للشباب المغربي، حيث يتحول الاحتجاج من رد فعل على الأزمة إلى مشروع مواطنة نقدية تسائل الدولة في عمق تعاقدها مع المجتمع، وتؤسس لوعي جديد يعتبر أن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان، وأن الشرعية تُقاس بالفعل لا بالخطاب.