‏ ‏برامجنا‏آخر المستجداتالمجتمع‏صوت المواطن

على مسؤوليتي: حكومة بلا مرآة.. حين يتهاوى الخطاب الرسمي أمام وعي جيل الاحتجاج

ـ يكتبها مدير النشر : مصطفى غَلــــمَــان ـ

في مواجهة احتجاجات شباب “جيل Z”، بدا الخطاب الحكومي كمن يواجه زلزالًا بأدوات قياس الطقس. فبينما يتشكل وعي جديد في الشارع، أكثر حدة وإصرارًا ورفضًا، ما زال لسان الحكومة يتحدث بمنطق الوعود القديمة، وبنبرة أبويّة فقدت جاذبيتها. تقول إنها “تلقفت مطالب الشباب وتفاعلت معها بجدية”، وكأن المشكل في سوء الفهم لا في عمق الأزمة، وكأن الشباب لم يخرجوا إلا لأنهم لم يسمعوا جيدًا، لا لأنهم سمعوا كثيرًا من الكلام ولم يروا شيئًا من الفعل.

حين يصرّ المتحدث باسم الحكومة على أن “الحوار يقتضي وجود طرفين”، فإنه يتهرّب بلباقة بيروقراطية من السؤال الأخطر: لماذا لم يعد الشباب طرفًا مؤمنًا بإمكانية الحوار أصلًا؟ كيف يمكن لحكومة فقدت شرعية الإنجاز أن تطلب من جيل فقد الثقة أن يشارك في حوار بلا مضمون؟ فالثقة لا تُبنى بتذكير الناس بالخطط المفتوحة، بل بتغيير الإحساس العام بأن كل وعد هو موعد مؤجل للفشل.

الحديث عن “تسريع الأوراش المفتوحة في الصحة والتعليم والتشغيل” يكشف هشاشة الخطاب أكثر مما يرمم صورته. فهذه الأوراش، التي لم يرَ المواطن منها سوى لافتاتها الإعلانية، تُستدعى كل مرة كتعويذةٍ لفظية لتغطية العجز البنيوي في الفعل السياسي. أين كانت هذه الأوراش نائمة طوال السنوات الماضية؟ ولماذا لا تشتغل إلا تحت ضغط الشارع؟ كأن السلطة لا تتحرك إلا حين تُدفع دفعًا، ثم تدّعي أنها كانت تسير أصلًا في الاتجاه الصحيح!

جوهر المأزق أن الحكومة تتعامل مع الأزمة باعتبارها “خللًا في التواصل”، بينما هي في حقيقتها أزمة معنى وثقة ووجود. فالشباب لا يرفضون الحوار لمجرد العناد، بل لأنهم يدركون أن الطرف الآخر لا يملك سوى تكرار خطابات الإنصات والتفاعل دون أثر ملموس. هكذا يتحول الحوار من وعد بالمشاركة إلى أداة للتهدئة، ومن فضاء للتفاهم إلى قناعٍ لتأجيل المواجهة مع الحقيقة.

لقد سقطت واجهة “الإصلاح التدريجي” أمام وعي جيل يرى المستقبل لا بوصفه استمرارًا للحاضر، بل كقطيعة معه. وحين تُصرّ الحكومة على إنعاش وعودها المتقادمة، فإنها تجهل أن الثقة، حين تنهار، لا تُرمم بالعبارات بل بالمحاسبة والجرأة السياسية.

إن الفشل لم يعد في السياسات وحدها، بل في منهجية التفكير ذاتها؛ في ذلك الإيمان المزمن بأن الخطاب يمكن أن يحلّ محلّ الفعل، وأن إدارة الأزمات بالتصريحات يمكن أن تغني عن إعادة بناء علاقة الدولة بمواطنيها من الجذر.

جيل زد لا يطلب فتات الوعود، بل يبحث عن دولة تشبه وعيه. وحكومة لا ترى في هذا الوعي سوى تهديدٍ، لا يمكنها إلا أن تُسرّع سقوطها في أعين من وُجدت لتخدمهم.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button