
يكتبها مدير النشر: مصطفى غَلــــمَــان
ما الذي يستطيع فعله وزير التعليم الجديد، القادم من عالم صناعة الحلوى والشيكولاته، أمام منظومة تعليمية مغلقة، مشوهة، ومتشابكة منذ عقود من الفشل والانتهاك واللارؤية؟ هل يمكن لرجل من خارج الممارسة التربوية التقليدية أن يخترق جدران الإصلاح الصلبة التي تم بناءها بعناية على طول سنوات من التجربة السيئة، وأن يؤسس لمنظور جديد يفتح باب الطفرة الممكنة في التعليم المغربي؟
إن الرهان هنا ليس شخصيًا على الوزير ذاته، بل على مقدار امتلاكه لإدراك مفاهيمي ونظري للأزمة المركبة التي يعانيها التعليم المغربي: أزمة تتجاوز البنية المدرسية إلى الثقافة الاجتماعية، إلى العلاقة بين المواطن والدولة، إلى فهم الوظيفة الحقيقية للتربية في تكوين الإنسان وليس مجرد إنتاج أوراق الشهادة. فمن لا يمتلك خطابًا إدراكيا يقرأ الأزمة بوعي فلسفي ومعرفي، لا يمكنه أن يفعل شيئًا سوى التكرار الرمزي لنفس الأخطاء.
لقد صعدت أزمة التعليم إلى واجهة الاهتمامات العامة، خصوصًا في حراك شباب “زد” الأخير، حيث أصبح السؤال عن جودة المدرسة المغربية ليس مجرد نقاش سياسي أو إداري، بل أصبح سؤالًا عن الوجود والكينونة: ما نوع الإنسان الذي تربيه المدرسة؟ ما القيم التي تُغرس في وعي الطفل؟ وما القدرة التي تمنحه على مواجهة المستقبل المعقد والمتغير؟
العودة إلى مكامن الخلل في التعليم المغربي تكشف نمطًا مستمرًا من الاجترار، والانتقائية، وتشويه المعنى. فكل مشروع إصلاحي، مهما كان شعارًا مبهرًا، لا يتجاوز غالبًا مرحلة الرمزية والخطاب الإعلامي، بينما تظل العمليات الميدانية عاجزة عن تحقيق التغيير الحقيقي. ويؤكد التاريخ الحديث لوزارة التعليم هذا الفشل: حقبتان وأكثر من العشوائية، والتعتيم الإداري، والتخويف من المستقبل المظلم، تعكس استمرار دائرة الفشل وعدم القدرة على التعلم من التجارب السابقة.
ومن بين أبرز الأمثلة على هذا النهج، يأتي مشروع “مدرسة الريادة”، الذي تحول إلى رمز للفوضى والانتفاء الواقعي، حيث تُستنزف مدخرات الدولة في ميزانية ضخمة يبدو من الصعب أن تُنتج نتائج ملموسة قبل نهاية المشروع نفسه. هذه المشاريع لا تعكس مجرد فشل إداري، بل تكرارًا لأوهام التنمية والتعليم التي تغذيها الرؤية الرومانسية للحداثة دون أسس معرفية صلبة.
إذا كان الإصلاح ممكنًا، فهو يتطلب قراءة فلسفية ونقدية للواقع التعليمي، إدراكًا لطبيعة العائق الثقافي والاجتماعي، وفهمًا عميقًا للعلاقة بين التربية والحرية، بين المدرسة والكينونة، بين المعرفة والقدرة على التغيير. فالتغيير لا يبدأ من المناهج وحدها، بل من إعادة بناء وعي الدولة والمواطن حول المدرسة كفضاء للإنسان لا للسلطة، وللإبداع لا للروتين.
الخلاصة: السؤال ليس ما إذا كان الوزير الجديد من عالم الحلوى أم من التوليد والإدارة، بل هل يمتلك الشجاعة الفكرية والإدراك الفلسفي للانطلاق نحو إصلاح حقيقي، قادر على اختراق الجدران الصلبة، وتحويل الطفرة الممكنة إلى فعل واقعي يخرج التعليم المغربي من دوامة العجز المزمن نحو مستقبل يكون فيه للمدرسة دور حضاري وثقافي حقيقي.