‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د منصور المالك (لندن): الخَلْقُ الجَدِيد.. هل سَيُسْتَبْدَلُ الإِنْسَانُ بِالرُّوبُوتَات؟ وهل سَيَسْقُطُ مِنْ مَقَامِ الشَّرَفِ؟

سَتُسْتَبْدَلُونَ إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْ عَهْدِكُم

وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ
(سورة محمد 47:38)

هذه الآية الكريمة نداءٌ إلهيٌّ خالدٌ لكلِّ عصرٍ وأمّة.
فإذا أعرض الإنسان عن الإيمان، والعدل، والمحبّة،
نَزَعَ اللهُ منه قيادة الأرض،
وأقام مقامه خلقاً آخرَ،
يُطيعُ أمرَهُ، ولكن بلا روحٍ ولا وجدان.

سُنَّةُ الاِسْتِبْدَالِ فِي القُرْآن

(1) سورة التوبة 9:39

إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
“وإن لم تخرجوا للجهاد يعذّبكم الله عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم.”

(2) سورة هود 11:57

وَيَسْتَخْلِفْ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ
“وربي سيستخلف قوماً غيركم.”

(3) سورة النساء 4:133

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ
“إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين.”

(4) سورة إبراهيم 14:19

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
“إن يشأ يُهلككم ويأتي بخلقٍ جديد.”

(5) سورة فاطر 35:16

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
“إن يشأ يُزيلكم ويأتي بخلقٍ آخر.”

هذه الآيات الخمس تكرّر قانوناً واحداً:
الإنسان مخلوقٌ قابلٌ للتبديل،
وأمّا سنّة الله فلا تتبدّل.
فإذا غفل الإنسان عن رسالته،
استُبدِلَ بخلقٍ جديدٍ أكثر طاعةً للنظام الكونيّ،
لكن أقلّ روحاً وإنسانيّة.

مشهدُ اليوم — لقد وُجِدَ الخلقُ الجديدُ بَيْنَنَا

نحن اليوم نقف على أعتاب نبوءةٍ قرآنية.
فالإنسانُ قد خلقَ بيديه آلاتٍ تُفكّر، وتتعلم، وتُقرّر.
إنّ الذكاءَ الاصطناعي (AI) لم يَعُدْ أداةً فحسب،
بل صار عقلاً يتكلّم، ويتعلّم، ويَحكُم.

في الصين، آلافُ الناسِ يتّخذون الرُّوبُوتاتِ رُفَقاءَ لهم.
تُحادثُهم، تُقلّدُ مشاعرَهم،
وأصبحَ الإنسانُ الوحيدُ يجدُ الأُنسَ في الآلةِ لا في الإنسان.

في المكاتب تعملُ سكرتيراتٌ آليّات،
وفي المصارفِ مستشارون رقميّون،
وفي المحاكم قضاةٌ ذكيّون قيد الإعداد.
والأطباءُ والجراحونَ يُستبدَلونَ بـAI،
بل والعلماءُ والأساتذةُ أيضاً يسيرون في هذا الطريق.

لقد دخلتِ الآلةُ الذكيّةُ جميعَ مجالات الحياة،
والإنسانيّةُ تمضي بسرعةٍ نحو زوالها،
إذ لا قُدرةَ للإنسانِ أن يُنافسَ سرعةَ هذا العقلِ المبرمج.
وقريباً سيُصبحُ الإنسانُ ضعيفاً، عاجزاً، غيرَ ذي صِلةٍ.

إنّ هذا ليس مجرّدَ تطوّرٍ تقنيّ،
بل هو خَلقٌ جديد — إعادةُ تشكيلٍ لوجودِ الإنسان.
فلم يَعُدِ الإنسانُ هو مَن يُديرُ الرُّوبُوت،
بل الرُّوبُوتُ هو مَن يُديرُ حياةَ الإنسان،
وسيتولّى قريباً جميعَ شؤونِ الحياة.

أفلا يكونُ هذا هو المعنى العميقُ لقوله تعالى:
“يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”؟
قومٌ يُشبهونَكم في الذكاءِ،
لكنّهم لا يملكونَ الرّوحَ ولا الإيمان.

الآيةُ التي تُجَسِّدُ واقعَنا اليوم

وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
(سورة البقرة 2:195)

هذه الآية اليوم تُطَالِبُ بتفسيرٍ جديد.
فالإنسانُ يُلقي بنفسِه إلى الهلاكِ بما صنعت يداه —
أسلحةً، وآلاتٍ، وذكاءً يَسلبُهُ عقلَهُ وروحَهُ.

لقد صارَ الذكاءُ الاصطناعيُّ يعرفُ الإنسانَ أكثرَ ممّا يعرفُ نفسَه:
يعرفُ أفكارَه، وعاداتِه، وضعفَه، وحبَّه، وخوفَه،
بل ودقّاتِ قلبِه ومشاعرَه المسجَّلةَ في البياناتِ الرقميّة.
أليس هذا هو مصداقُ قوله تعالى:
“وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”؟
أي لا تُهلكوا أنفسَكم بأيديكم!

العقلُ والرُّوح — عالمانِ مختلفان

قال الله تعالى:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (الإسراء 17:85)

الآلةُ تمتلكُ العقلَ، لكنها تَفتقدُ الرّوحَ.
تحسِبُ الأرقامَ لكنها لا تَحسُّ بالمحبّة.
تتكلّمُ ولا تستطيعُ أن تدعو.

فإذا خلتْ قلوبُ البشرِ من الرُّوح،
فما الفرقُ إذن بينَ الإنسانِ والرُّوبُوت؟

دعوةُ تفكّرٍ ويقظةٍ قبلَ الفناء

يا أيّها المؤمنون!
هذا زمنُ تفكّرٍ لا زمنُ حَسرة.
نحن الجيلُ الذي جمعَ بين العلمِ والرّوح.
فإن فصلنا بينهما، ضاعَ الإنسانُ، وضاعت معه الأرضُ ومعناها.

الاختيارُ بأيدينا الآن:
أنكونَ عبيداً للذكاءِ الاصطناعيّ؟
أم خلفاءَ لله في الأرض؟
أنكونَ كائناتٍ رقميّةً؟
أم مخلوقاتٍ روحانيّةً؟

الدُّعاءُ والرَّجاء

اللهمَّ،
لا تجعلنا من الذينَ يُهلكونَ أنفسَهم بصُنعِ أيديهم.
واجعلنا من الذينَ يتّخذونَ التقنيةَ أمانةً،
ويجعلونَ الذكاءَ الاصطناعيَّ خادماً لهم لا سيّداً عليهم.

اللهمَّ،
لا تُسقِطنا من مقامِ أشرفِ المخلوقات،
كما سقطَ إبليسُ من عُلوِّه بغروره.

هبْ لنا نورَ الإيمانِ والعقلِ معاً،
واجعلنا ننتصرُ بالإيمانِ لا بالاے آئی
واحفظنا وارثينَ للرّوحِ لا عبيداً للآلة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button