‏آخر المستجداتفنون وثقافة

الضحك الأسود للجمهوريين الشباب: نكات على أنقاض القيم الأميركية

يقدّم صبحي حديدي في مقاله «الحزب العنصري والجمهورية: من شابّ وشبّ» قراءة نقدية مكثفة لفضيحة كشفت عنها صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، تتعلق بتسريب أكثر من 2900 صفحة من دردشات على تطبيق «تلغرام» بين أعضاء «نادي الجمهوريين الشباب» في الحزب الجمهوري الأميركي. تكشف هذه الدردشات عن نزعات عنصرية فاقعة تمجد هتلر وتستحضر غرف الغاز، وتتعرض للسود واليهود والهنود والأقوام الأصلية بأوصاف مهينة ومشحونة بكراهية الآخر. هذه الأصوات ليست صادرة عن مراهقين طائشين كما حاول نائب الرئيس الأميركي ج.د. فانس تبريرها، بل عن رجال تتراوح أعمارهم بين العشرين والأربعين يشغلون مواقع قيادية في فروع الحزب، مما يجعلها صورة مصغّرة عن ذهنية متجذّرة تتجاوز «نكات الشباب» إلى بنية فكرية راسخة في الحزب الجمهوري.

يرى حديدي أن ما تكشفه هذه المحادثات ليس حادثة عابرة بل مرآة صافية لخطاب الكراهية الذي تشكّل على مدى عقود داخل الحزب، وتغذّى عليه «الآباء والأجداد» من قيادات اليمين الأميركي حتى بلغ ذروته مع دونالد ترامب الذي أطلق العنان لنزعات التفوق العرقي الأبيض تحت شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». ويذكّر الكاتب بأن هذا الشعار ليس وليد الترامبية بل يعود إلى عهد رونالد ريغان، إذ ارتبط منذ البداية بتحشيد جماهير البيض المحافظين والرجعيين وتغذية الإحساس بالتهديد الديموغرافي من الأقليات. بهذا المعنى، فإن الترامبية لم تبتدع العنصرية بل ورثتها وعمّقتها وأعادت إنتاجها بأدوات أكثر فجاجة وفعالية في التعبئة الجماهيرية.

ينبّه حديدي إلى المفارقة الصارخة المتمثلة في صمت الرئيس الأميركي الحالي، الذي جعل من «محاربة معاداة السامية» شعاراً مركزياً لتبرير دعمه الأقصى لإسرائيل في حربها على غزة، بينما لم يعلّق على هذه الفضيحة التي تزخر بعبارات معادية لليهود أنفسهم. هذا الصمت، إلى جانب سجل طويل من السلوكيات العنصرية لدى قيادات الحزب، يفضح ازدواجية الخطاب الأميركي الذي يرفع شعارات التسامح بينما يغضّ الطرف عن جذور العنصرية البنيوية في مؤسساته السياسية.

في قراءته النقدية، يخلّص حديدي إلى أن الحزب الجمهوري لم يتخلَّ يوماً عن إرث التفوق الأبيض بل غيّر طرائق تمويهه، وأن ما نراه اليوم ليس شذوذاً بل استمراراً لما زُرع في الوعي السياسي الأميركي منذ عقود. فجيل الشباب الذي يبدي إعجاباً بهتلر ويمزح بشأن اغتصاب نساء الأقوام الأصلية هو الامتداد الطبيعي لجيل الآباء الذين صنعوا الخطاب الشعبوي القائم على الخوف من الآخر وتمجيد «أميركا البيضاء». بهذا، تتحول الفضيحة من واقعة إعلامية إلى علامة على ميلٍ فاشي متصاعد داخل المجتمع الأميركي، تغذّيه سياسات الانغلاق والتمييز وتبريرات السلطة التي تحوّل الكراهية إلى نكتة، والعنصرية إلى رأي مشروع.

استشرافاً، يوحي المقال بأن الولايات المتحدة مقبلة على مرحلة حرجة من إعادة تعريف هويتها السياسية والأخلاقية، حيث تتصارع داخلها رؤيتان: واحدة تسعى إلى ترميم فكرة الأمة المتعددة والهجنة الثقافية، وأخرى تحاول استعادة نقاء أسطوري مفقود عبر استحضار رموز الماضي العنصري. وإذا كان الحزب الجمهوري هو المختبر الأبرز لهذا الصراع، فإن فشل نخبه في كبح النزعة العنصرية قد يدفع الديمقراطية الأميركية نحو مزيد من الانقسام والتفكك القيمي، ويمنح شرعية جديدة لخطاب التفوق الأبيض الذي لا يزال، كما يؤكد حديدي، «ينبض في عروق الجمهورية من جيل إلى جيل».

‏مقالات ذات صلة

Back to top button