‏آخر المستجداتقضايا العدالة

المجلس الأعلى للحسابات يحيل 55 ملفا على النيابة العامة بين سنتي 2021 و2025

(كش بريس/التحرير)ـ في لحظة مؤسساتية بالغة الأهمية، كشفت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، عن معطيات دقيقة تعيد رسم حدود العلاقة بين الرقابة القضائية والإدارية والمساءلة الجنائية، وذلك في سياق يتجه فيه المغرب نحو ترسيخ مقومات الحوكمة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

فمن خلال إعلانها إحالة 55 ملفا على النيابة العامة بمحكمة النقض بين سنتي 2021 و2025، تقدم العدوي مؤشراً صريحاً على أن منظومة الرقابة المالية بالمغرب دخلت مرحلة النجاعة القانونية، أي الانتقال من مجرد التشخيص إلى التفعيل القضائي لمساطر المتابعة.

غير أن المعطيات الموازية، التي تفيد بأن أغلب الشكايات الواردة (1650 شكاية سنة 2024) لا تفضي إلى إحالات أو متابعات، تكشف عن مفارقة مزدوجة:

من جهة، صرامة مؤسساتية في تحليل الشكايات واستبعاد غير المؤسس منها، ومن جهة أخرى، هشاشة في الوعي العمومي بمفهوم التبليغ الرشيد عن الفساد، إذ ما زال كثير من الشكايات يُقدَّم بناء على معطيات غير دقيقة أو ذات خلفيات شخصية أو سياسية.

خطاب العدوي لا يكتفي بعرض الأرقام، بل يطرح إشكالية المردودية الرقابية ضمن منظومة متحركة تتفاعل فيها المؤسسات والنيابات العامة وهيئات التفتيش. فهو يلمّح إلى تحول نوعي في فلسفة الرقابة من منطق “العقاب بعد الفساد” إلى منطق “الوقاية أثناء التدبير”، عبر ما أشارت إليه من إجراءات تصحيحية أتاحت توفير ما يقارب 140 مليون درهم قبل الوصول إلى القضاء.

وهذا التحول يستبطن رؤية متقدمة تجعل من الرقابة أداة إصلاح استباقي لا مجرد سلطة محاسبة. كما أن حديث العدوي عن “ثورة التواصل التي تجعل من كل مواطن فاعلا في منظومة النزاهة” يحمل بعدًا ديمقراطيا جديدا في تصور الرقابة، قائم على الرقابة المجتمعية التشاركية، بما يفتح أفقًا لمقاربة تشاركية لمكافحة الفساد، خارج جدران المؤسسات الرسمية.

استشراف المسار الرقابي المغربي:

إن الرهان اليوم لا يكمن فقط في عدد الملفات المحالة أو حجم الأموال المسترجعة، بل في بناء ثقافة رقابية جديدة، تجعل من كل مسؤول إداري طرفا في الوقاية، لا موضوعا للمساءلة فقط.

وفي هذا الأفق، يبدو أن المجلس الأعلى للحسابات، تحت إشراف العدوي، يسعى إلى تحويل الرقابة من سلطة قضائية إلى ثقافة مؤسساتية، تُؤسّس لما يمكن تسميته بـ“الذكاء الرقابي” القائم على التقييم والتحليل الاستباقي للمخاطر المالية والإدارية.

بين لغة الأرقام ومنهجية التحليل، يتبدّى أن العدوي تسعى إلى إعادة تعريف الرقابة في المغرب باعتبارها فعلاً إصلاحياً بقدر ما هي إجراء زجري، وبأن الشفافية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لترميم الثقة بين الدولة والمجتمع.

فالتحول الحقيقي لن يُقاس بعدد الملفات المحالة، بل بمدى قدرة المؤسسات على استباق الانحراف قبل أن يتحول إلى فساد، وعلى إشراك المواطن في معادلة النزاهة العمومية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button