
ـ البوابة استقبلت إلى حدود أكتوبر 2025 ما مجموعه 134 ألفاً و437 شكاية ـ
(كش بريس/التحرير)ـ في زمن تتسارع فيه وعود الرقمنة وتتسع دائرة الحديث عن “الإدارة المواطِنة”، تبرز بوابة “شكاية” كإحدى التجارب التي راهنت عليها الحكومة المغربية لتقريب المواطن من الإدارة، وتحويل التظلم من فعل احتجاجي إلى ممارسة مؤسساتية مؤطرة بالقانون. ومع ذلك، فإن حصيلة المنصة كما قدمتها الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، تفتح الباب أمام نقاش أعمق حول مدى نجاعة الرقابة الرقمية وقدرتها الفعلية على إعادة بناء الثقة بين المواطن والمرفق العمومي.
فوفق المعطيات الرسمية، استقبلت البوابة إلى حدود أكتوبر 2025 ما مجموعه 134 ألفاً و437 شكاية، تم التعامل مع حوالي ثلثيها فقط، في حين انخرطت جميع الجماعات الترابية (1590 جماعة) و38 قطاعاً وزارياً و119 مؤسسة عمومية في المنصة، وهو ما يعكس توسعاً هيكلياً في البنية الرقمية للإدارة.
وقدمت الوزيرة أمل الفلاح السغروشني أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان عرضاً مفصلاً أبرز دور المنصة ومركز الاتصال الإداري في استقبال أسئلة المواطنين وتوجيههم باللغتين العربية والأمازيغية، مع الإشارة إلى معالجة أكثر من 15 ألف استفسار خلال عشرة أشهر فقط. وأبرزت الوزيرة أمل الفلاح السغروشني، خلال عرضها أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، أن “شكاية” أصبحت قناة مركزية لتلقي ملاحظات المواطنين وتظلماتهم، مضيفة أن مركز الاتصال الإداري يستقبل تساؤلات المواطنين باللغتين العربية والأمازيغية، حيث تم التعامل مع أزيد من 15 ألف سؤال خلال سنة واحدة.
وفي سياق موازٍ، أشارت الوزيرة إلى جهود الحكومة في إدماج اللغة الأمازيغية في الخدمات العمومية، من خلال تعميمها في واجهات وسائل النقل العمومي والمواقع الرسمية والجلسات البرلمانية، في خطوة رمزية نحو تكريس المساواة اللغوية في المرفق العام. كما أبرزت أن الوزارة تواصل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2016-2025)، مع إعداد مشروع قانون حول التصريح بالممتلكات وتنازع المصالح، إضافة إلى تنسيق الجهود مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) في إطار مؤشرات النزاهة الحكومية.
تُظهر هذه الأرقام والبرامج الرسمية إرادة سياسية واضحة لتأهيل الإدارة المغربية رقمياً وربطها بمفهوم الحكامة التشاركية، لكن القراءة التحليلية تضعنا أمام مفارقة جوهرية بين الرقمنة كأداة تقنية والنجاعة كمؤشر للحكامة.
فرغم توسيع نطاق الانخراط المؤسساتي في بوابة “شكاية”، تظل نسبة المعالجة (65.96%) دالة على بطء في التفاعل مع مطالب المواطنين، مما يثير سؤال جدوى الرقمنة من دون إصلاح ثقافة الاستجابة الإدارية. كما أن إدماج الأمازيغية في المرافق العمومية، رغم طابعه الإيجابي، يبدو أقرب إلى رمزية لغوية أكثر منه تحولاً بنيوياً في التواصل الإداري، ما لم يُرفق بتكوينات موظفين وبمأسسة لغوية دائمة داخل الإدارات.
أما في ما يخص مكافحة الفساد، فإن استمرار الحاجة إلى تقييم الاستراتيجية الوطنية بعد قرابة عقد من إطلاقها، يعكس محدودية في الانتقال من المقاربة القانونية إلى المقاربة الوقائية، أي من “قوانين النزاهة” إلى “ثقافة النزاهة”.
وبالتالي، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في الأرقام أو عدد المنصات الرقمية، بل في تحقيق تحول نوعي في العلاقة بين الدولة والمواطن، يجعل من الإدارة فضاءً للثقة لا مجرد قناة لتصريف الشكايات.