
(كش بريس/التحرير)ـ في وقت ترفع فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار شعار تبسيط المساطر ورقمنة الخدمات الجامعية لضمان تكافؤ الفرص بين الطلبة، تتعالى أصوات طلابية من مختلف الجامعات المغربية تندد بما وصفته بـ”الارتباك الإداري وغياب الشفافية” في مباريات الولوج إلى إجازة التميز وشهادة الماستر بعدد من المؤسسات الجامعية.
فمن كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان إلى كلية العلوم بالقنيطرة، يتجدد النقاش حول مصداقية الانتقاء الجامعي وعدالة المساطر، في ظل تباين الممارسات وتعدد التفسيرات.
طلبة يحتجون: “رقمنة على الورق فقط”
بداية الجدل انطلقت من كلية تطوان، حيث عبّر العشرات من الطلبة عن استيائهم بعد مطالبتهم بإيداع نسخ ورقية من الوثائق التي سبق أن أرفقوها إلكترونيا عبر المنصة الرسمية للتسجيل في إجازة التميز “Audit et Contrôle de Gestion”.
واعتبروا هذا القرار عبثياً وغير مبرر، خاصة بالنسبة إلى الطلبة القادمين من مناطق نائية، الذين اضطر بعضهم إلى قطع مئات الكيلومترات لإيداع ملفات سبق تحميلها على المنصة نفسها.
وقال أحد المترشحين في تصريح لإحدى المنابر الجامعية إن “هذا التراجع عن الرقمنة يضرب في الصميم التوجهات الوطنية نحو الإدارة الإلكترونية، ويكرس منطق البيروقراطية الذي أنهك الطلبة وأسرهم”.
ويشير الطلبة إلى أن ما يقع يتناقض مع التوجيهات الملكية السامية وخطاب الحكومة حول تسهيل المساطر وتحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى التعليم العالي، معتبرين أن “الرقمنة الجامعية تحوّلت إلى شعار أكثر منها ممارسة”.
القنيطرة على الخط: غموض في نتائج الانتقاء:
ولم يتوقف الجدل عند تطوان، بل امتد إلى كلية العلوم بالقنيطرة التابعة لجامعة ابن طفيل، حيث عبّر طلبة مترشحون لإجازات التميز عن استغرابهم من “غياب الشفافية في الإعلان عن نتائج الانتقاء الأولي”.
فقد اكتفت الكلية، حسب مصادر طلابية، بإشعار مقتضب على موقعها الإلكتروني يدعو المترشحين إلى إدخال رقم بطاقتهم الوطنية لمعرفة موعد المباراة، من دون نشر أي لوائح أولية كما هو معمول به في باقي المؤسسات.
ويرى الطلبة أن هذا الإجراء “يضرب مبدأ المساواة ويُغذي الشك في مصداقية الانتقاء”، معتبرين أن “المؤسسات الجامعية لا يمكن أن تستمر في العمل بمنطق الغموض، خاصة في عصر الرقمنة والشفافية”.
أزمة ثقة في تسيير مباريات الولوج:
تجمع الشهادات الطلابية على أن ما يجري يعكس أزمة ثقة بين الإدارة الجامعية وطلبتها، إذ تتكرر ملاحظات حول انعدام التوضيح، وتعدد المساطر بين الجامعات، وضعف التنسيق المركزي رغم وجود وزارة وصية ترفع شعار الإصلاح الرقمي.
ويرى باحثون في قضايا التعليم العالي أن هذه الظواهر ليست معزولة، بل تكشف عن خلل هيكلي في تدبير مباريات الانتقاء، حيث ما تزال الكليات تعتمد على آليات تقليدية في التحقق والانتقاء رغم توفر المنصات الإلكترونية.
ويشير بعض المتتبعين إلى أن غياب منظومة وطنية موحدة لتدبير الترشيحات والتصحيح الإلكتروني والتحقق من الوثائق، يجعل كل كلية تتصرف بمنطقها الخاص، ما يؤدي إلى تفاوت في المعايير وإرباك في مبدأ تكافؤ الفرص.
خلفية أوسع: بين التحول الرقمي والإرث البيروقراطي:
تأتي هذه الحوادث في وقت تراهن فيه وزارة التعليم العالي على تسريع رقمنة الخدمات الجامعية، انسجاماً مع الإصلاح الإداري الشامل الذي تبنّته الحكومة في السنوات الأخيرة.
لكن ما يحدث على أرض الواقع يكشف أن التحول الرقمي لم يتغلغل بعد في العمق التنظيمي للمؤسسات الجامعية، حيث تتعايش الرقمنة مع البيروقراطية في مفارقة تُربك الطلبة وتفقدهم الثقة في المساطر.
من زاوية أخرى، يرى محللون أن ما يجري يعبّر عن صراع ثقافي بين جيلين داخل الجامعة: جيل إداري لا يزال متمسكاً بالإجراءات الورقية بدعوى الضبط، وجيل طلابي رقمي يطالب بالشفافية والنجاعة والحق في المعلومة.
نداء إلى الوزارة: الشفافية تبدأ من القاعدة:
وسط هذا الجدل، يطالب الطلبة المتضررون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بفتح تحقيق وطني شفاف حول سير مباريات الانتقاء في مؤسسات التعليم العالي، وتفعيل آليات رقابة حقيقية تضمن احترام القانون ومبدأ الاستحقاق.
كما يدعون إلى توحيد المساطر وطنياً عبر منصة مركزية، تتيح التحقق الإلكتروني من الشهادات والبيانات، وتمنع الاجتهادات المحلية التي تخلق تفاوتاً في المعاملة وتغذي الإحساس بالظلم.
القضية، في جوهرها، ليست مجرد “إيداع ورقي” أو “غياب لوائح”، بل هي اختبار لقدرة الجامعة المغربية على التوفيق بين الإصلاح المعلن والممارسة الواقعية.
فالانتقال الرقمي لا يقتصر على إنشاء منصات إلكترونية، بل يقتضي تحولاً ثقافياً وإدارياً شاملاً يجعل من الشفافية مبدأ مؤسساً، لا مجرد شعار مرحلي. وفي غياب ذلك، ستظل مباريات الولوج مرآةً تعكس هشاشة الإصلاح وعمق البيروقراطية التي ما زالت تقاوم التغيير في صمت.





